Saturday, December 17, 2011

لهذه الأسباب لن تتوقف ثورة مصر


صباح جمعة الفرصة الأخيرة قبل أكثر من أسبوعين، اختارت صحيفة الأهرام الرسمية هذا العنوان الرئيسى: الفرصة الأخيرة..الاستقرار أو الفوضى. وفى كل مواجهة بين النظام الحاكم وبين القوى الثائرة، سواء كانت فى ميدان التحرير أم الأربعين أم العباسية أم فى مصانع المحلة وأتوبيسات النقل العام، تقفز فى وجوهنا هذه المجابهة السمجة التى تصور كل فعل للجماهير وللثوار على أنه أمر سلبى يتعارض مع «رغبة أغلبية المصريين فى أن يبدأ عصر البناء وأن نلتفت جميعا لمصلحة مصر قبل مصالحنا الخاصة وأن يعود الاستقرار..الخ» من هذا الرطان الفارغ، الذى يمطرنا به مذيعو ومذيعات تليفزيون وراديو النظام القديم، بقنواته الحكومية والخاصة، ناسين أو متناسين أن نفس هذه الأفكار كانت تقدم فى مواجهة الدعوة للتظاهر فى 25 و28 يناير، دون أى قدر من النجاح أو المصداقية.

فى 1924، كتب المفكر الثورى المجرى جورج لوكاتش يصف هؤلاء الذين يفشلون فى رؤية أن الثورة بند لا يمكن شطبه من على أجندة الصراع السياسى والاجتماعي: «الثورة لا تصبح منظورة بالنسبة إلى عامة الناس إلا بعد أن تكون الجماهير العمالية قد شرعت تناضل حول المتاريس. ذلك أن أسس المجتمع البورجوازى ثابتة راسخة فى نظر البعض إلى درجة لا يتمنى معها، حتى عندما تسمع أذناه قضقضة ذلك المجتمع المبشرة بانهياره، إلا عودته إلى حالته (السوية). فهو لا يرى فى أزماته إلا أعراضا عارضة، ويعتبر النضال حتى فى أوقات الأزمات تمردا لا معقولا من قِبل أناس غير جديين ضد الرأسمالية التى لا سبيل إلى قهرها بالرغم من كل شيء. وعلى هذا فإن مقاتلى المتاريس يبدون له أناسا تائهين ضالين، والثورة المسحوقة تبدو له (غلطة)».

يكف تطور الأمور على الأرض فى مصر عن إعطاء دعاة استقرار القديم المرفوض صفعة وراء أخرى بفرض إيقاع الثورة. إذ أن استمرارها ليس مجرد شعار سياسى وليس تعبيرا عن قرار من النشطاء بالتظاهر المستمر، بل هو ضرورة وإمكانية وفرصة للمتضررين من استمرار النظام بحكم التاريخ وتطورات السياسة والاقتصاد.

ثورة سياسية بروح اجتماعية

يحلو للبعض تسمية ما حدث فى مصر بالانتفاضة أو الهبة، وليس الثورة، على أساس أن نظام المصالح المسيطرة القديم مازال قائما. وتكتسب الفكرة قوة إضافية بما أنه، حتى على مستوى وجوه الحكم، فإن التغيير ليس شاملا، فحكامنا، مجلسا عسكريا وحكومات، ليسوا من الثوار بل كانوا لعقود تروسا أساسية فى نظام المخلوع.

غير أن هؤلاء يغفلون أن التغيير الذى فرضه ملايين المصريين بدءا من يناير باسقاط ديكتاتورية 30 عاما لا يترك مجالا للحكم بالطريقة القديمة ويضع المصالح المسيطرة فى اختبار وراء اختبار بعد أن حاصرها فى الركن متشبثة فقط بدعوة يائسة لوقف المنازلة.

تكون الثورة سياسية عندما يكون التركيز على التغييرات فى القيادات الحكومية وأشكال الحكم، وتكون الثورة اجتماعية بالمعنى الشامل، عندما تنزع السلطة من يد طبقة الحكم ومصالحها وتضعها فى يد طبقة حكم جديدة بمصالح جديدة. ويقدم لنا المنظر السياسى الأمريكى هال درابر تعريفا ثالثا: ثورة سياسية بروح اجتماعية، وفيها تكون الثورة السياسية تعبيرا وتدشينا لعملية تثوير اجتماعى فى اتجاه نقل سلطة الدولة ليد مصالح جديدة. وينبهنا درابر إلى أن التمييز بين السياسى والاجتماعى كثيرا ما يكون صعبا للغاية، إذ يمتزجان أحيانا بنسب تتغير طوال الوقت.

وفى تقديرى أن هذا هو أصدق توصيف للثورة المصرية سياسية بروح اجتماعية. فقد هزت الثورة أركان الحكم القديم لتضع على أجندة المعركة السياسية تحقيق ديمقراطية سياسية واجتماعية وطبقية وإعادة لتوزيع الثروة. وببساطة انهارت مصداقية وقدرة الأشكال القديمة للحكم على الحكم، بل وصار عليها أن تواجه هذه القوة الجديدة التى فلت عقالها من عمال وفلاحين وموظفين، وهى قوة تبعث الفوضى فى أوصال النظام القديم وتهدم استقراره، إذ أنها كما لا تقبل استمرار داخليته وتعذيبه واعتقالاته ومحاكماته العسكرية وضيق أفق اختياراته السياسية، لا تقبل أيضا تهميش مصالحها والجور على عيشها وتتطلع لتمكينها من فرض إرادتها على حياتها. هذه هى الأجندة الجديدة للحياة السياسية فى مصر ومن المستحيل عكس اتجاهها الآن. ولأنها كذلك، ولأن المجلس العسكرى والمصالح التى يمثلها، بل والقوى السياسية التى تراوح هى ومصالح من تمثل فتقف تارة مع هذا التيار الجارف للثورة والطموحات العملية المشروعة للأغلبية وتتراجع عن ذلك تارة أخرى، عاجزون جميعا عن تقديم استجابة مقبولة، فإن الثورة مستمرة بلا شك.

تشققات فى جدار الحكم

انظر معى فقط إلى التناقضات التى فرضتها الانتخابات على المجلس العسكرى وأغلب القوى السياسية. الانتخابات هى انجاز للثورة والثائرين الطامحين للديمقراطية بلا شك. وكحال كل الحكام الذين تجاوزهم التاريخ فى إعادة تفسير ما هو مفروض عليهم بأنه دليل على قوتهم وفى معركته مع قوى التغيير، حاول العسكرى تقديم الاقبال الهائل فى اليوم الأول للمرحلة الأولى للانتخابات على أنه «دعم شعبى لشرعية المجلس» وأنه انجاز للعسكر «غير مسبوق فى تاريخ مصر منذ عهد الفراعنة»، بحد تعبير رئيس اللجنة العليا للانتخابات. فى الوقت نفسه، وحتى قبل أن تبدأ المرحلة الثانية، جاءت تصريحات اللواء مختار الملا للصحافة العالمية عن أن البرلمان المنتخب لا يعبر عن المصريين، وأنه لن يُسمح له بالانفراد بكتابة الدستور. وكأنه يرسل رسالة لكل من قنعوا بالذهاب والتصويت فى الانتخابات مفادها أنه لا قيمة على الإطلاق لما قمتم به. رسالة مفادها أنه إذا أردتم الديمقراطية فلتبحثوا عن وسيلة أخرى لأنى لن أقدمها لكم.

هذه هى حال الثورة السياسية بروح اجتماعية وهى تفرض على المصالح القديمة ومن يمثلها، حتى على مستوى الشكل السياسى، أن يتقدم خطوة ليستخدمها لدعم شرعيته فيكتشف أن فيها دماره فيتراجع عنها.

ولأن هذا القصور لا يقتصر على العسكرى. بل يمتد لكل القوى السياسية التى لا ترقى لطموحات الأجندة الجديدة. يمكننا فهم نكوص ليبراليين عن الالتزام بقواعد الديمقراطية فى صورتها الانتخابية السياسية (لا نتحدث هنا عن انتخابات تجيء بسياسات اجتماعية راديكالية مثلا)، فنجد بعضهم ينزع لتجهيل من صوتوا لأنهم لم يختاروهم، بل وينزعون لدراسة التحالف مع العسكر فى مواجهة انتصار الإسلاميين.

فى الوقت نفسه، يترك إسلاميون الميدان، الذى جلب لهم الشرعية بعد طول الحظر، ورفع لهم الصوت بعد طول الكبت، ليقفوا مع العسكر فى معسكر يطرح شرعية الانتخابات فى مواجهة الثائرين. ثم يكتشفون أن البرلمان المنتظر قد يكون مجرد إطار فارغ لا قيمة له لن يشكل حكومة ولا ينزع ثقة منها، ولا حتى يكتب الدستور، حتى وإن نص استفتاء مارس على ذلك.

لقد ذهب 8 مليون مصرى للانتخاب، فقط للانتخاب، سعيا من أجل الديمقراطية، ورغبة فى حكم مدنى وحياة جديدة، فوضع ذلك الحكام والسياسيين فى تناقضات عسيرة كشفت حدود الانتخابات ذاتها، وخلق معضلات ليست على البال لمن يرغبون فى التمهيد لاستقرار جديد للمصالح القديمة،. وسيكون هذا حال كل القوى، التى لا تضع مرساتها عند مصالح وطموحات أغلبية المصريين التى صار لا تراجع عنها الآن فى مجتمع ديمقراطى حر وعادل، مجتمع مساواة وكرامة. أى قوة تحاول اجتزاء هذه المطالب أو تقليمها ستكون مكبلة وفاشلة ومفضوحة. إذ أنه بعد أن انطلق المارد واكتشف قوته وعرف حقوقه، لن يكون هناك استقرار إلا على أساس من مصالحه وتطلعاته كاملة غير منقوصة.

كيف لا تستمر الثورة إذا؟

Friday, December 2, 2011

الثورة في القرن الحادي والعشرين


يُخبرنا من يحكمون العالم أن الثورة شيء غير ممكن وغير مرغوب فيه. لكن الحقيقة أنها واحدة من الملامح المتكررة للعالم المعاصر.

كل البلدان الأوروبية تقريبا عرفت تفجرات ثورية أو شبة ثورية خلال التاريخ القريب ـ الثورة الروسية 1917،الانتفاضة الأيرلندية 1916ـ1921، الثورتان الألمانية والنمساوية اللتان أطاحتا بإمبراطوريّ البلدين 1918ـ1919، الثورة الإسبانية 1931ـ1936، الانتفاضات التي حررت باريس ومدن إيطاليا الشمالية وأثينا من الاحتلال النازي 1944، الانتفاضة الألمانية الشرقية 1953، الثورة المجرية 1956، أحداث مايو 1968 في فرنسا، الثورة البرتغالية 1974ـ1975، حركة تضامن في بولندا 1980ـ1981، وثورات أوروبا الشرقية 1989ـ1990.

بدون هذه التفجرات، ما كان ممكنا أن تصبح أي من هذه الدول على ما هي عليه الآن.

أما خارج أوروبا، فالصورة حتى أكثر وضوحا. معظم حكومات العالم الثالث، الممثلة في الأمم المتحدة، ما كان لها أن توجد دون الحركات الثورية ضد السيطرة الاستعمارية الغربية في الأعوام الستين الأخيرة. الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها تم تشكيلها عن طريق تفجر ذو أبعاد ثورية في مرحلة تاريخية أبعد قليلا – الحرب الأهلية الأمريكية في السنوات الأولى من العقد السابع للقرن التاسع عشر.

إن انتشار الثورة لا يجب حقا أن يدهش أحدا. فالعالم الحديث بأكمله تشكّل عن طريق أسرع النظم الاقتصادية تغيرا عرفها العالم – الرأسمالية. قوة الرأسمالية الدافعة هي المنافسة العمياء لمراكمة الأرباح والثروة. ومن أجل هذا الهدف هي تعيد تشكيل الزراعة والصناعة باستمرار، مبدّلة بهذا الشروط التي يعمل من خلالها البشر، ومحدثة في هذا السياق تغييرات في كل طرق معيشتهم.

تنتزع الرأسمالية الناس من قراهم وتقذف بهم إلى المدن العملاقة، إلى حد أن 60% من البشر سوف يكونون من سكان المدن بعد عشرة أعوام من الآن. وهي أيضا تنقل ملايين الناس آلاف الأميال من بقعة في العالم إلى أخرى، وتكدسهم في المصانع والمكاتب، ولكنها تأتي كل بضعة سنوات لتقول لهم أن هناك أزمة اقتصادية وأن عليهم أن يبحثوا عن عمل في مكان آخر.

تَعد الرأسمالية الناس بالرفاهية وبالمعاش في حالة التقاعد، ثم تسلبهم ما وعدتهم به. وتقول للنساء في أحد العقود مكانكن هو البيت، ثم تأتي في عقد تال لتخبرهن أنهن لا تستحققن أي امتيازات إذا لم تعملن. وهي تكرر للناس القول أنهم ما لم يخضعوا لمتطلباتها، فسوف تنقل الإنتاج إلى مكان آخر.

إن هذا يختلف كليا عن التغيرات البطيئة في الشروط الاقتصادية والحياة الاجتماعية التي ميزت كل المجتمعات السابقة على الرأسمالية الصناعية، قبل 230 عاما فقط. حاولت الطبقات الحاكمة في تلك المجتمعات أن تُخضع من تسيطر عليهم لنظام صارم يشجع الأفكار المحافظة التي تعظ بأن الأشياء في المستقبل ستظل كما كانت في الماضي. وكما تقول الترنيمة المسيحية "الرجل الغني في قلعته، والرجل الفقير عند بوابته، إن الله هو من جعلهم أغنياء وفقراء وهو من حدد لهم مكانتهم." وبالنسبة لكثير من الفقراء الذين لم يعرفوا أي نوع آخر من الحياة، فإن الأمر بدا بالفعل كما لو أنه هكذا ينبغي أن تكون الأمور.

الحكام الرأسماليون أيضا يحبون وضع القيود العقلية على من يعملون عندهم عن طريق الأفكار المحافظة. ولكنهم يكتشفون أنه يصعب عليهم الاستمرار في ذلك لأي فترة طويلة من الزمن، لأن سرعة التغيرات الاقتصادية تؤدي إلى تبدلات في الأوضاع الاجتماعية مما يجبر الناس على تغيير أفكارهم.

كانت فترة صعود الرأسمالية فترة تغيرات ثورية في المجتمع. الرأسماليون، بعد أن راكموا الثروة في إطار النظام القديم الما قبل رأسمالي، أرادوا أن يعيدوا تشكيل هذا النظام ليناسب احتياجاتهم الجديدة. وهذا كان يعني الحرب من أجل السيطرة على المجتمع، أو على الأقل تشجيع الآخرين للحرب نيابة عنهم.

لكن هذا لم يكن حدثا غير متكرر يستطيع بعده الرأسمالي الرجوع إلى الطرق المحافظة مرة أخرى. فأي تغيرات سريعة أخرى في الإنتاج تخلق احتياجات جديدة للرأسماليين، مما يتطلب تغييرات أخرى في نظام المجتمع. ويتكرر هذا المرة تلو المرة مع كل توسع وتحول وإعادة هيكلة للإنتاج الرأسمالي.

وكما أشار كارل ماركس وفريدريك إنجلز "التثوير الدائم للإنتاج والتغير المستمر لكل الظروف الاجتماعية، واللايقين اللانهائي، والفوران، كل هذا يميز الحقبة البرجوازية عن كل ما سبقها من عهود. كل العلاقات الثابتة والمتحجرة، وما يتبعها من أحكام مسبقة وآراء يتم تنحيتها بعيدا، كل ما هو جديد يصبح قديم جدا قبل أن يتحلل، كل ما هو جامد يتحول إلى هواء."

ينطبق هذا بشكل مطلق على القرن الحادي والعشرين – تلك المرحلة من الرأسمالية التي يطلق عليها عادة "العولمة". فـ"السوق الحرة"، و"الليبرالية الجديدة"، تعنيان تحرير الرأسمالية من كل القيود، حتى تلك القيود التي تمنع الرأسمالية من تدمير المؤسسات الاجتماعية والأوضاع التي كانت تخدمها جيدا في الماضي. الآن تتعامل الحكومات الرأسمالية مع التقلبات الوحشية للنظام، انتعاشه وأزماته، بالتخلي عن الطرق التي كانت تدعي أن بمقدورها السيطرة على هذه التقلبات.

وفي نفس الوقت تدعي الحكومات أن "قواعد المنافسة" تستبعد وضع أية قيود حقيقية على استهلاك احتياطيات المادة الخام التي تعتمد عليها الرأسمالية أكثر من غيرها – النفط. وفي هذا السياق تحدث الرأسمالية، من خلال ظاهرة "الاحتباس الحراري"، تدمير بيئي لم يسبق له مثيل. والقوة الرأسمالية الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، تميل بشكل متزايد للتهديد بالحرب، كوسيلة للتأكد أنها لن تخسر في منافسة تتزايد عشوائيتها.

هذا هو العالم في القرن الحادي والعشرين. إنه عالم غير مستقر، الثورة فيه أكثر احتمالا، وليست أقل احتمالا، من أي وقت مضى.

ما الذي يصنع ثورة؟



يتحدث الناس عادة كما لو أن الثورة تُصنع بواسطة مجموعات الاشتراكيين الموجودة بالفعل التي تكبر أحجامها قليلا ثم تقوم بتغيير الأمور فجأة. في أواخر الستينات كان الناس يرددون وراء تشي جيفارا قائلين "إذا كنت ثوريا، فاصنع ثورة".

لكن الثورة لا تحدث أبدا نتيجة سلوك مجموعة من الاشتراكيين فحسب، بغض النظر عن كونهم مجموعات صغيرة أو كبيرة. إنها تحدث لأن كتلا هائلة من الناس، العديد منهم لم يفكر في أمر الثورة في الماضي، دفعوا بأنفسهم إلى مركز المسرح السياسي.

الثورة الفرنسية العظمى 1789 بدأت ليس بسبب نشاط حفنة من الجمهوريين، ولكن لأن آلاف من البشر من أفقر أحياء باريس اختاروا أن يزحفوا إلى القصر الملكي في فرساي.

ثورة فبراير الروسية 1917 بدأت عندما أضربت عاملات النسيج، المتقززات من العمل لساعات طويلة في مقابل أجور هزيلة، وأخذن في قذف كرات الثلج على نوافذ المصانع التي فيها أزواجهن ليخرجوهم إلى الخارج معهن.

مثل هذه الأحداث تحدث تلقائيا، عندما يشعر عدد ضخم من البشر العاملين أنه فقط بأخذ الأمور في أيديهم يمكنهم تحقيق ما يريدون. وفي العادة، يكون أولئك الذين روجوا في الماضي للتغيير الثوري مفاجئين، كغيرهم من الأشخاص، بالتحول في الأحداث.

يحدث هذا لأن العمليات الاجتماعية الأوسع تجعل الناس يتخلون عن طرقهم القديمة للتعامل مع الأحداث.

أشار القائد الثوري الروسي لينين، حين كتب في عام 1915، قبل أحداث 1917 بفترة طويلة، إلى عنصرين ضروريين لظهور هذا التحول في سلوك الناس:

العنصر الأول: لابد أن تصل الطبقات الأدنى إلى نقطة تجد عندها أن شروط معيشتها أصبحت غير محتملة بشكل متزايد.

هذا في حد ذاته غالبا غير كاف لتفجير انتفاضة جماهيرية. يستطيع الناس أن يستجيبوا حتى لتخفيض رهيب في مستويات معيشتهم أو لتدهور في شروط عملهم، بأن يحبطوا أو أن يتحولوا ضد بعضهم البعض بدلا من أن يصبحوا مناضلين. معدل التذمر يزداد، وليس معدل الفعل.

هذا ما جعل لينين يشدد على العنصر الثاني المهم، وهو أن الأزمات الاقتصادية أو السياسية لا تسبب فقط زيادة الإحساس بالغضب في قاعدة المجتمع، ولكن يمكنها أيضا أن تؤدي إلى دخول الطبقة الحاكمة في مأزق لا تستطيع الخروج منه بسهولة.

الأزمات الاقتصادية الكبرى تجعل أكثر الرأسماليين قوة يرتعدون. وكذلك يفعل تورطهم في حروب طويلة لا يمكنهم الانتصار فيها بسهولة. في هذه الحالة يبدأ أعضاء الطبقة الحاكمة في لوم بعضهم البعض على ما يحدث، مع محاولة كل رأسمالي أن ينجو بنفسه على حساب الرأسماليين المنافسين وعلى حساب الناس أيضا.

وفي الحالة القصوى يؤدي هذا إلى إصابة الآلة الإعلامية والقمعية للحكام بالشلل. كل قطاع في الطبقة الحاكمة يحاول أن يستخدم الإعلام والبوليس السري ضد منافسيه. كما يحاول أن يحرّض قطاعات من الجماهير لدعم خططه ضد منافسيه.

لكن حتى في ظروف أقل حدة، فإن الحرب داخل الطبقة الحاكمة تجعل الجماهير تشعر أنها ليست أمام حائط صلد مقاوم لمطالبها وأنه يمكن أن يكون لأفعالها تأثيرا.

الحالة الثورية تنفجر عندما يحدث العنصران معا، عندها، حسب كلمات لينين، "لا ترغب الطبقات الدنيا في العيش بالطريقة القديمة"، كما أن "الطبقات العليا لم تعد قادرة على العيش بالطريقة القديمة". لا أحد، في أي مستوى من مستويات المجتمع، يكون راضيا عن النظام القائم. الكل يكون متعطشا لحل، مهما كان "متطرفا".

الرأسمالية في النصف الأول من القرن العشرين كانت باستمرار تنتج هذه الحالات الثورية مع الحروب الكبرى والأزمات الاقتصادية الكبرى. والرأسمالية في بداية القرن الحادي والعشرين مرة أخرى تنتج هذه الحالات الثورية بعولمتها الفوضوية للإنتاج والتمويل.

ذلك أن هذه العولمة الفوضوية تعني أن بلدانا بأكملها، أو حتى مناطق بأكملها من العالم، قد تُضرَب فجأة بأزمات اقتصادية أو صراعات عسكرية تجعل الحياة غير قابلة للتحمل من قبل الشعوب، وتجعل الطبقات الحاكمة تمسك بخناق بعضها البعض.

ما حدث في الأرجنتين منذ سنوات قليلة يعتبر مثالا أساسيا لما يمكن أن نتوقعه في أماكن أخرى في العقد القادم. خلال معظم التسعينات كانت الأرجنتين هي النموذج لعولمة الاقتصاد القومي. رئيسها ووزير اقتصادها كانا المثال الذي ينبغي احتذاؤه لدى الاقتصاديين الرسميين في كل مكان نظرا للسرعة التي نفذا بها إعادة الهيكلة والخصخصة والترحيب بالرأسمال الأجنبي.

ثم ضربت الأرجنتين أزمة مالية كانت بدايتها في الجانب الآخر من العالم. فتزايدت ديونها الخارجية فجأة وخرجت عن نطاق السيطرة. وانهارت السوق المحلية لسلعها. ووصلت البطالة إلى معدلات فلكية. وجمدت الدولة كل حسابات المواطنين. ثم انقسمت الطبقة الحاكمة على نفسها بصدد الإجابة على سؤال ما الذي يمكن فعله.

عندها بدأ الناس، الذين لم يفكروا من قبل أبدا في النزول إلى الشارع، من عاطلين وعمال يدويين وموظفين حكوميين وقطاعات من الطبقات الوسطى، يزحفون في اتجاه القصر الرئاسي، محاربين البوليس لمدة 24 ساعة، قبل أن ينجحوا في إسقاط الحكومة.

الأرجنتين لم تكن أبدا حالة معزولة. فلقد رأينا بعضا من هذه العوامل تتفاعل خلال الأعوام الأخيرة في انتفاضات ألبانيا، إندونيسيا، صربيا، إكوادور وبوليفيا. ونستطيع توقع المزيد في الأعوام القادمة.

قد يبدو الأمر وكأن بلد ما تتمتع بالسلام والاستقرار لسنوات. لكن عولمة الرأسمالية تعني أن تلك البلد قد تكتشف أنها كانت مثل عارضة خشبية هادئة في عرض البحر بين موجتين كبيرتين تهددان فجأة بأن تغمراها. في هذه الظروف يمكن للجماهير أن تدخل الحياة السياسة بطريقة مفاجئة لا يستطيع أحد أن يتنبأ بها.

دور الثوريين



ليست كل "الحالات الماقبل ثورية" تنتهي إلى ثورة اشتراكية ناجحة.

الدخول المفاجئ للحياة السياسية من قبل عدد ضخم من الناس من خلال الإضرابات الجماهيرية والانتفاضات العفوية، يؤدي إلى مستوى غير مسبوق من النقاش حول الطريق الذي ينبغي السير فيه. تصبح السياسة هي الموضوع الدائم للحديث بين الناس كلما تقابلوا سويا – في كل طابور أتوبيس، في كل محل، في كل مصنع ومكتب، في كل مدرسة، وفي كل محفل اجتماعي – بطريقة لا يمكن أن نتخيلها نحن الذين نعيش في أوقات غير ثورية.

الناس المتعطشون لتغيير حياتهم يبحثون بكل كيانهم عن الطريق إلى المستقبل. الاشمئزاز من النظام الحالي من ناحية، وخبرة الإضراب الجماعي والتظاهر الجماعي من ناحية أخرى، يجعلان العمال مستعدين بشكل خاص لتقبل فكرة أنهم جماعيا وديمقراطيا يستطيعون أن يأخذوا مسئولية المجتمع بأيديهم. بمعنى أخر، الأفكار الاشتراكية تصبح فجأة متناسبة مع خبرتهم المعاشة بطريقة لم تكن ممكنة من قبل.

لكن أفكار الاشتراكية الثورية ليست هي الوحيدة المطروحة. قطاعات من الطبقة الحاكمة أيضا تبحث عن حلول يائسة لإنقاذ نفسها من الأزمة. يبدأ هؤلاء في دعم جنرالات يحلمون بالانقلابات العسكرية، أو مغامرين سياسيين وصحفيين منحطين يحاولون توجيه حقد الجماهير تجاه الأقليات الدينية والعرقية.

بين هذين الاتجاهين المتطرفين، هناك دائما أولئك الذين يقولون أن المجتمع يجب أن يتغير في اتجاه غير رأسمالي، ولكن ببطء، من خلال التفاوض والعمليات القانونية، وليس من خلال المواجهة المباشرة.

هذا الاتجاه الإصلاحي الذي أحيانا ما يطلق على نفسه "الإصلاحية الثورية" دائما ما يكون له جمهورا واسعا في فترة ما بعد أول صعود جماهيري كبير.

ذلك أن الناس المنخرطين في الانتفاضة ينشأون في مجتمع طبقي يحشر في رؤوسهم فكرة أنهم غير صالحين لإدارة الأمور. هؤلاء لا يغيرون أفكارهم بين عشية وضحاها. حتى بعد الإطاحة بحكومة ما، معظمهم يضع آماله في حكومة جديدة، ظاهريا أقل عداء لمطالبهم وأكثر رغبة في التحدث مع ممثليهم.

تتم تقوية هذه الأوهام عن طريق الإعلام الذي تتحكم فيه تلك القطاعات من الطبقة الحاكمة التي تتحدث عن "الأمل للمجتمع" إذا ما تكاتفت كل الطبقات بطريقة لم تحدث من قبل.

غير أن عمق الأزمة الاجتماعية يعني أن تلك الحلول "السلمية" و"الوسطية" المعتمدة على "المشاركة" غير ممكنة. لكن هذا لا يمنع أناس كثيرون من أن يروا، في مرحلة أولية، أنها "حلول عملية" و"أقل عنفا" من الدفع في اتجاه الثورة الكاملة.

لذلك ففي روسيا في 1917، وبعد أن أطاحت انتفاضة عفوية بالقيصر في فبراير، وضعت الجماهير ثقتها في حكومة يرأسها أحد أغنياء الحرب، الأمير لفوف، ثم بعد ذلك محام التزم بالحفاظ على الرأسمالية، هو كيرنسكي.

وفي الأرجنتين منذ سنوات قلائل تسامحت الجماهير، التي أطاحت بأربعة رؤساء من الموالين للرأسمالية على التوالي، مع اثنين من نفس الخلفية، دوهالدي وكريشنر.

لم يحدث أبدا أن انفجرت انتفاضة ثورية دون فترة انتقالية، يضع الناس خلالها ثقتهم في تسويات غير ناضجة لا يمكن أن تنجح أبدا.

فترة وجيزة، ثم يحدث أن كل الحنق الذي أحدثه الفوران الأول الكبير يأخذ في التراكم مرة أخرى. والاستياء ضد الحكومة الجديدة يمكن أن يصبح أعظم من الاستياء ضد الحكومة القديمة. ولكنه الآن يمكن أن ينمو في اتجاهين. يمكنه أن يتجه نحو تغذية الدعم لأولئك الرأسماليين الباحثين عن طريقتهم الرجعية الخاصة "لاستعادة النظام" للمجتمع. أو يمكنه أن يقود الناس إلى رؤية الحاجة إلى استكمال الثورة، إلى تجاوز إسقاط حكومة إلى إسقاط النظام وأخذ السلطة في أيديهم.

ما كان يبدو كحركة عفوية موحدة في يوم الفوران العظيم الأول، يتبلور الآن في ثلاثة تيارات أو أحزاب – سواء استخدمت هذا الاسم أو لا – هناك حزب ثوري، وحزب رجعي، و(في محاولة لردم الفجوة بين الاثنين) حزب إصلاحي.

محصلة الحالة الثورية تعتمد على المعركة بين هذه الأحزاب الثلاثة الكبرى لتوجيه حنق الجماهير. وفي حالة الأزمة الكبرى، عندما يعجز الخيار الإصلاحي عن تقديم أي حلول، فإن المعركة تكون أكثر فأكثر بين الثوريين والرجعيين من أجل التأثير على أنصار الخيار الإصلاحي.

هذه ليست ببساطة معركة أفكار، على الرغم من أن تلك مهمة. ولكنها أيضا، وبشكل مركزي، كفاح عملي. الطبقة الحاكمة تعتمد في تفوقها على كون الطبقة العاملة مفتتة ومفتقدة للثقة في قدرتها على إدارة الأمور جماعيا.

والطبقة العاملة تستطيع في الحالة الثورية أن تتجاوز هذا العائق، فقط عن طريق خبرة الكفاح من أجل السيطرة على أماكن العمل والشوارع. إنها قوة دفع "التقدم للأمام معا" التي تعطي حتى غالبية العمال "غير المسيسيين" إحساس أنهم جزء من حركة يمكنها أن تخلق مجتمعا جديدا.

هذا هو السبب أن محاولة الإصلاحيين لإبطاء الحركة قد تصبح كارثية. حيث يكسرون الإحساس بالقوة ويسمحون للتشرذم بالعودة مرة أخرى، ومع هذا التشرذم تستعيد الأفكار الرجعية، التي تروج لها أقسام من الطبقة الحاكمة، المبادرة مرة أخرى. هذا هو السبب أن الثورة تصل دائما إلى نقطة حرجة، أما أن تتقدم عندها أو أن تتراجع. والتراجع يعني عودة الرأسماليين القدامى في شكل أشد سوءا مما كان في الماضي.

الحزب الثوري ليس ضروريا لتبدأ الثورة، ولكنه ضروري بشكل مطلق لضمان انتصارها، للتأكد من أن الاختيار الصحيح بين الاشتراكية والبربرية قد تم.

بناء الحزب



هناك مفهومان واسعا الانتشار، ولكن كلاهما خاطئ. الأول أن الحزب الثوري يعتمد على اللعبة الانتخابية مثل الأحزاب الاشتراكية الديموقراطية في القارة الأوروبية، لكنه أكثر يسارية. أسلوبه ينبغي أن يكون أن بناء القوة من خلال الدعاية من انتخابات إلى انتخابات، حتى يحصل على العدد الكافي من المقاعد البرلمانية لتشكيل الحكومة – أو على الأقل لتكوين ائتلاف مع أحزاب يسارية الأخرى.

هذا الأسلوب هو في نهاية المطاف كارثي، ذلك أن معظم الأزمات الاجتماعية الكبرى التي تجذب كتلا عريضة من الناس إلى السياسة، لا تُخاض معاركها في القاعات البرلمانية أو تبعا للجداول الزمنية للبرلمانات.

النشاط البرلماني الانتخابي قد يستطيع، في بعض الحالات، توفير طريقة للاشتراكيين لنشر أفكارهم عن الصراع الطبقي أمام عدد كبير جدا من الناس، ولكنه لا يستطيع أن يحل محل خوض هذا الصراع في أماكن العمل وفي الشوارع.

الرؤية الثانية للحزب الثوري هي أنه مجموعة منظمة بشكل محكم تخبر العمال أنهم في حاجة إلى ثورة وأنها ستقوم بها نيابة عنهم، مجموعة تعتمد على تحول العمال نحوها فقط عندما تصبح الأمور حقا ميئوس منها. وحتى تأتي هذه اللحظة، فإن "المجموعة" تبقى بعيدة عن الكفاح ضد المظالم الجزئية للرأسمالية خشية أن يخلق هذا أوهاما حول إمكانية الإصلاح.

هذه كانت رؤية الثوري الفرنسي بلانكي في القرن التاسع عشر، وكانت أيضا رؤية واحد من أكثر الشيوعيين الإيطاليين أهمية في بداية العشرينات – بورديجا. وأيضا من ناحية عملية كانت هذه هي طريقة بعض أجنحة اليسار في مجموعات حرب العصابات التي انتعشت خلال الستينات والسبعينات.

من زوايا عدة، تعد هذه الصورة انعكاسا مختلا للطريق اليساري الانتخابي، حيث أن كليهما يشتركان في فكرة أن الثوريين يغيرون المجتمع بالوكالة عن الجماهير التي تقدم الدعم بشكل سلبي، سواء للبرلماني اليساري أو للمقاتل اليساري.

الطريق الثوري الحقيقي مختلف تماما عن ذلك. إنه يقوم على الاعتقاد أن القطيعة مع كل بشاعات المجتمع الطبقي يمكنها أن تتم فقط عندما يأخذ مجموع العمال السلطة بأيديهم. وهي ترى أيضا أن الطريق الوحيد الذي يحصل به العمال على القوة اللازمة والفهم الضروري ليقوموا بهذا يأتي من خلال كفاحهم الخاص.

في أوقات الأزمة الاجتماعية الكبرى واشتعال الثورة، يمكن كسب غالبية العمال إلى حجج الثوريين، ويمكن أن يقوم العمال بما هو ضروري فعله.

لكن دائما توجد قلة من العمال يمكن كسبها إلى الأفكار الاشتراكية الثورية، حتى عندما تكون الثورة بعيدة جدا. هذا لأن الرأسمالية تدفع الناس دائما إلى التمرد، و لو بقدر صغير، ضد ضغوطها عليهم. قد يحدث إضراب قصير على الأجور، أو حملة ضد خصخصة الإسكان، أو اعتصام ضد العنصرية، أو مقاومة ضد الحروب الإمبريالية. لكن في أي نقطة من الوقت سوف تكون هناك عشرات من النضالات. وفي كل واحد من هذه النضالات يبدأ بعض الناس في تحدي أولويات النظام، وفي إطار هذا يبدأون في بلورة أسئلة في عقولهم حول طبيعة النظام ككل.

المنظمة الثورية الحقيقية هي التي تحاول أن تجمع هؤلاء الناس معا، حتى يبدأوا في بلورة أفكارهم حول كيفية محاربة النظام بنجاح. هذا يشمل النقاش، والتعلم من الخبرات الكفاحية في الماضي، وتحليل النظام القائم والنضالات الجارية ضده اليوم. ثم تغذية استنتاجات المناقشات مرة أخرى في الكفاح الطبقي اليومي.

إن الهدف هو خلق شبكة من كل الناس الأكثر نضالية في كل مكان عمل وفي كل حي، بحيث يزيدون من قوة بعضهم البعض، ويعوضون نقاط ضعف بعضهم البعض، ويتعلمون من خبرات بعضهم البعض. بهذه الطريقة يمكنهم أن يعملوا سويا للتدخل في النضالات المختلفة الجارية، محاولين التقريب بينها، ومجابهين الطبقة الحاكمة وإعلامها في محاولاتهما لتحويل جزء من العمال ضد جزء آخر من العمال.

وحتى لو كان مستوى الصراع منخفضا، يظل هذا مهما. فكل هزيمة تفتت العمال، وتسهل من سيطرة الأفكار الرجعية التي تجعل الأقليات كبشا للفداء. وكل نصر يجعل من الأصعب كثيرا على الطبقة الحاكمة إخضاع العمال والفقراء بشكل كامل.

وعندما يصل الصراع إلى مستوى عال من الحدة، فإن وجود منظمة ثورية لديها شبكة من النشطاء في كل موقع عمل وفي كل حي يمكن أن تكون له أهمية كبرى. ذلك أن نتيجة النضالات الكبرى يمكن أن تحدد شكل الصراع الطبقي والجو الأيديولوجي لسنوات طويلة مقبلة.

ولذلك، فعندما يقول بعض الناس أنهم ضد التنظيمات "الطليعية"، فما يقولونه حقا هو أنهم لا يريدون للعمال الأكثر نضالية أن يوحدوا قواهم لمحاربة النظام بفاعلية.

إن تلك الحرب تأخذ أشكالا عديدة. فهي تتضمن، خلال فترة زمنية طويلة، ما أسماه الثوري الإيطالي غير المفهوم بشكل كبير أنطونيو جرامشي "حرب المواقع" – وهي معركة طويلة صعبة تهدف إلى إحراز تقدم بطيء للأمام. خلال ذلك ينخرط الثوريين في مئات من المعارك الصغيرة لتحسين حال الطبقة العاملة، ويحاولون اكتساب أنصارا قليلين لأفكارهم. وبشكل نموذجي، هذا يشمل النشاط في النقابات، في محاربة تقليص الضمان الاجتماعي، مناهضة العنصريين، بناء التضامن مع الإضرابات، واستخدام الانتخابات كفرصة لتوضيح رؤية اليسار لقطاعات واسعة من الناس.

لكن هذه الأفعال، في حد ذاتها، تترك الرأسمالية سليمة بينما تبني شبكات الناس الذين يريدون الإطاحة بها. تلك الشبكات تظهر بكامل معناها عندما تفتح "حرب المواقع" الطريق لما أسماه جرامشي "حرب المناورات" – مواجهات مفاجئة وسريعة يتبدل خلالها مزاج ملايين الناس بين عشية وضحاها.

إذا كانت المنظمة الثورية قوية، فإن أعضاؤها يستطيعون توجيه أغلبية الجماهير في اتجاه يحتاجه المجتمع ككل. أما إذا كانت ضعيفة أو غير موجودة، فإن آمال الناس تتحول إلى يأس، وكل شيء يرجع إلى الوراء.


Saturday, October 15, 2011

مبرووووك... تمت الموافقة على حزب التحالف الشعبى الاشتراكى



وافقت لجنة الاحزاب على تأسيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي. وبعد انسحاب الحزب من الكتلة المصرية يعكف الحزب الآن على إعداد قائمة باسمه لخوض الانتخابات.. قائمة استكمال الثورة لا تقبل أي من رموز النظام القديم أو من انتفعوا عن طريق التحالف معه أو أعضاء الحزب الوطني المنحل.. قائمتنا ترى ان الانتخابات مجرد أداة على طريق الثورة ولا تخضع للاستقطاب العلماني الديني حيث تضم التيار المصري.. قائمة شبابية تضم إئتلاف شباب الثورة وشباب العدالة والحرية.. قائمة تقدمية تضع المطالب الاجتماعية على أولوياتها وتضم الحزب الاشتراكي المصري وقيادات الاحتجاجات العمالية والاجتماعية وأكبر عدد من الشخصيات العامة المحترمة

Thursday, October 13, 2011

انسحاب “التحالف الشعبى” من الكتلة المصرية

كتبت بسمة المهدى

أعلن المهندس طلعت فهمى، عضو الأمانة العامة بحزب التحالف الشعبى الاشتراكى، عن انسحاب الحزب من الترشح على قوائم الكتلة المصرية فى الانتخابات البرلمانية القادمة.

وأوضح فهمى أن هذا القرار يعود إلى تراجع الكتلة المصرية عن المعايير التى اتفق عليه الحزب منذ انضمامه لها والمتعلقة بوضع برنامج انتخابى يضع فى أولوياته المطالب الاجتماعية، بالإضافة إلى خلو قوائم الانتخابات من فلول الحزب الوطنى الذين تقدموا للمجمع الانتخابى للحزب الوطنى المنحل فى انتخابات مجلس الشعب 2005 و2010، فضلا عن أعضاء الأمانة العامة بالحزب.

وأضاف فهمى أن الكتلة المصرية رأت الاكتفاء بإقصاء مرشحى الحزب الوطنى فى الانتخابات السابقة دون كل المتقدمين للمجمع الانتخابى للوطنى، قائلا “إن اجتماع مكتب الأمانة العامة بالحزب مساء اليوم قرر الانسحاب من الكتلة المصرية لمخالفتها معايير الحزب”.

وفى سياق متصل أشار عضو الأمانة بالحزب، إلى أن الحزب يعمل حاليا على إعداد قوائم مرشحيه للتقدم بأوراقهم للجنة العليا للانتخابات، مؤكدا أن قوائم التحالف مفتوحة لأى شخصيات عامة مستقلة أو حزبية تريد الترشح على قوائمه وتتوافق مع مبادئ ومعايير الحزب المحددة.

نقلا عن اليوم السابع .

ومبرووووووووك للحزب الخروج من الكتلة الليبرالية اليمينة ....

Monday, October 10, 2011

بيان القوى الثورية على احداث ماسبيرو


في نفس الوقت الذي يتعرض فيه أبناءنا وبناتنا لعنف ورصاص وقنابل الغاز يطلقها الجيش المصري الذي ادعى كذبا على مدي شهور انه حام للثورة.. ثم تهاجمهم قوات الأمن المركزي بالعصي والغاز.. ثم ينضم إليهم جيوش البلطجية، جيش الاحتياط لنظام مبارك ومجلسه العسكري وجهاز أمنه.. ولا يتوقف ما يواجهه شباب الثورة عند ذلك بل انضمت إليهم كتيبة الإعلام في حملة تشويه وكذب لا تختلف كثيرا عن تلك التي شنها إعلام النظام منذ يوم 25 يناير وحتى 11 فبراير قبل ان يغير اللهجة ويبدأ بالموالسة للنظام الجديد القديم بنفس السرعة والنفاق والانتهازية والغدر بشباب الثورة وشهدائها.
الكذب والتشويه والافتراء لا يتوقف فقط عند التجاهل التام لتطوير الأحداث وحقيقة ما حدث من هجوم أمني وعسكري وبلطجي على مظاهرة سلمية خرجت من شبرا تضم شبابا محتجين على احتراق الكنيسة وتهاون النظام في ملاحقة وحاسبة الفاعلين ومطالبين بما طالبت به القوى الوطنية أكثر من مرة ألا وهو قانون موحد لدور العبادة ورفع الاضطهاد عن الأقباط وتحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين دون تمييز على أساس من الدين
لم يتوقف التشويه عند هذا الحد، بل انبرى الإعلام الرسمي في حملة طائفية تستعدي الرأي العام ضد مسيحيي مصر وأخذ يبث رسائل من المجلس العسكري يناشد فيها الشعب المصري بالتضامن مع الجيش وكأنه أعلن الحرب الأهلية بين مسلمي مصر ومسيحييها
فهل كانت آخر ابتكارات المجلس العسكري هو إشعال الفتنة الطائفية وإعلان الحرب الأهلية تمهيدا لإعلان الأحكام العرفية والبقاء في الحكم؟
ما أشبه اليوم بالبارحه.. فاليوم لا يكاد يختلف عن يوم 28 يناير.. رصاص وقنابل مسيلة للدموع وسيارات جيش وشرطة تدهس المواطنين، وإعلام يصف الثوار بالبلطجية ويشوه صورتهم ويكذب دون حياء وجثث شهداء جدد سوف ينضمون إلى صفوف الشهداء التي تنتظر القصاص.
القوى السياسية الموقعة على هذا البيان تعلن عن تضامنها مع المطالب المشروعة لمسيحيي مصر وعلى رأسها حق المواطنة الكاملة المساواة في حق العبادة وبناء دور العبادة وتحذر المجلس العسكري من أن نار الطائفية إن اشتعلت سوف تحرق من أشعلها فقد تعلم شعبنا من دروس ثورة 25 يناير أن لا يسلم قدره لأحد سواه وأنه الوحيد القادر على استكمال الثورة وانتصارها.. وأن الشعب المصري ليس منقسما إلى مسلمين ومسيحيين وإنما إلى حكام ومحكومين.. إلى ثوار وثورة مضادة.. وفي كل يوم يدرك الثوار أن الثورة لم تنته بتنحي مبارك.. فهو لازال يحكم من حيث هو.. يحكم بمجلسه العسكري وطوارئه ووزرائه وعملائه.. لكن الثورة أيضا مستمرة على طريق إسقاط النظام كما عاهدت
شهدائها.كما تطالب القوى الوطنيه الموقعه بتسليم السلطه لمجلس رئاسى مدنى فورا
المجد للشهداء و النصر للشعب
--------------------------
ائتلاف شباب الثوره
حزب التحالف الشعبى الاشتراكى
الاشتراكيين الثوريين
الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى
حزب العمال الديمقراطى
حركه شباب من اجل العداله و الحريه
اللجان الشعبيه للدفاع عن الثوره
حركه المصرى الحر
حركه شباب الثوره العربيه
شباب كفايه


Sunday, October 9, 2011

الثورة العالمية الأولي (World's first revolution

الاشتراكى الثورى الاممى ليون تروتسكى
تحت شعارات الثورة المصرية التي ألهمت العالم أجمع (ديمقراطية..حرية..عدالة إجتماعية) قرر مناضلوا اليسار في معظم مدن العالم الخروج إلي الشوارع السبت القادم الموافق 15 أكتوبر 2011 لرفع هذه المطالب في وجه رأسمالية الدول العظمي التي تتجاهل المطالب المشروعة لمواطنيها. و باعتبار الثورة المصرية هي الداعي و الملهم لهذا التحرك الدولي العظيم. فإننا نحن حزب التحالف الشعبي الاشتراكي سوف نشارك بزخم كبير في هذه الفعالية الدولية مع إخواننا في النضال اليساري في العالم أجمع لانتزاع حقوق الفقراء و الكادحين من براثن رأس المال و الأنظمة السياسية الفاسدة التي تتحكم بها الشركات الكبري و مصالح الدول العظمي و الإمبريالية.

المشاركون: 277 مدينة من نحو 122 دولة حول العالم منها (إسبانيا-إنجلترا-الولايات المتحدة- المكسيك-إيطاليا-بلجيكا-أستراليا-فرنسا-البرازيل-بوليفيا-بولندا-ألمانيا-البرتغال-اليونان-فنلندا-أيرلندا-الدانمارك-الهند-باكستان-تنزانيا-ماليزيا-اليابان-تونس-المغرب-سوريا-تركيا-المجر-رومانيا-التشيك-هولندا و غيرها)

القيمة: هذا التحرك هو الأول من نوعه ضد النظام الرأسمالي العالمي و قد نشأ بالأساس استلهاماً من النضال الثوري المصري في 25 يناير 2011. و بالتالي فجميع الحركات اليسارية في مصر معنية بالمشاركة فيه دعماً لنضال اليسار من أجل حقوق العمال و الفلاحين و الطبقات المهمشة في مصر و باقي دول العالم. كما أن هذا الحدث سيحظي بتغطية إعلامية واسعة في جميع أنحاء العالم و علي رأسها مصر باعتبارها صاحبة الدعوة و هي بالتالي فرصة عظيمة لليسار المصري لمعرفة الحجم الحقيقي لليسار المصري و رؤية قدرته علي الحشد و الإعداد.

الخطة: مسيرة كبري في الخامسة مساء السبت 15 أكتوبر تشارك فيها كل قوي اليسار المصري و علي رأسها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي من أمام مبني مركز التجارة العالمي بكورنيش النيل و حتي ميدان التحرير رافعين شعارات الثورة المصرية.

المطلوب: يناشد الحزب لجنة العمال بوضع تكليفات محددة لأعضائها بالحشد و الإعداد لهذه المسيرة في النقابات و المصانع لحشد أكبر قدر ممكن من المشاركين للأهمية القصوي. و كذا جميع اللجان الجغرافية للحزب بالقاهرة و المحافظات.

للتنسيق الاتصال بالأرقام التالية: 01228016253 أ.هشام إسماعيل / 01229776011 أحمد حجازي / 01111198305 محمد عبد الله / 01222729867 أ. ضياء

Friday, October 7, 2011

من أول السطر...جلال امين


اليمين مفلس رغم كل إدعاءاته بغير ذلك , بل ربما . كانت كل هذه الإدعاءات بسبب إفلاسه , وإفلاس اليمين ليس ظاهرة مصرية , بل هو حقيقة تنطبق علي العالم بأسرة . ويجب ألا يخدعنا ما يبدو وكأنه إنتصار للرأسمالية وإنحسار لليسار . الإنتصار هو مجرد إنتشار أوسع لقوي القهر , يجب ألا يخفي عنا تأكلها وتحللها في الجذور . وإنحسار اليسار هو تراجع لقوي كانت تحارب معركة أسدل عليها الستار فهي عائدة إلي بيوتها , ولكن اليمين مفلس بمعني أنه لم يعد يحمل الإنسانية إلي الأمام بل يجرها إلي الخلف , رغم كل ما يوزعة علي الناس من هدايا ومسكنات .

والتيار الديني من النوع السائد اليوم في مصر ’ مشكلة أكثر تعقيدا ولكنة بدورة , وبعكس كل المزاعم التي تقال بشأنه , لا يقدم حلا بأي معني من المعاني اللهم إلا بمعني الخلاص الفردي , أما فيما عدا هذا , فهذا التيار لا يحل لا مشكلة إجتماعية ولا إقتصادية ولاإنسانية , بل يزيد هذة المشاكل تعقيدا , ولا يقدم سبيلا للخلاص من القهر بل يقدم صورة جديدة منه تضاف إلي قوي القهر الأخري . مشكلة التيار الديني السائد في مصر الأن أنه لا يحاول أن يفهم ما يحدث في العالم , ويستعيض عن ذلك بأن يهرول خائفا عائدا إلي مدينه فاضله تحققت في وقت ما في الماضي , ويخلق لنفسة عالما سحريا يعيش فيه بعيدا عن منغصات هذا العالم دون أن يبذل أدني جهد لمواجهتها . أما المسدس الذي يطلق به الرصاص علي هذا العالم فهو مسدس شبيه بما يستخدمه الأطفال في لعبهم : قد يخدش ولكنه لا يقتل أحدا , قد يحدث فرقعة لكنة لا يغير شيئا ,

أما اليسار الذي لازال يدين بأفكار القرن التاسع عشر , ولا يزال يظن أن المستضعفين في الأرض هم فقط الحاصلون علي أجور منخفضه , وأن الإستغلال فقط الحصول علي فائض القيمة , وأن القهر هو فقط قهر الرأسماليين للعمال , وأن الحل هو (( الإشتراكية )) بنفس المعني المألوف الذي لا يتعدي الملكية العامه لوسائل الإنتاج والتخطيط المركزي وإعادة توزيع الثروة والدخل , فإنه للأسف يضيع وقتنا ووقته , ويبدد طاقته فيما لم يعد ورائة طائل . والأفضل أن يواجه العالم الجديد , الثري ثراء لا حدود له بالإحتمالات , والزاخر بكنوز لا نهاية لها من فرص الإبداع .

Thursday, October 6, 2011

فى اول احتفال ب6 اكتوبر بدون مبارك..الشاذلى يتصدر المشهد

كنا منذ وقت قريب نتعلم نحن و اولادنا ان مبارك هو صاحب الفضل فى انتصار اكتوبر ومن قبلة كان السادات هو البطل الوحيد. هكذا جرى توظيف الانتصار بشكل سياسى وصل الى حد البجاحة والتنطع فى حكم مبارك وعادة ما يتم اغفال دور الارادة الشعبية الهادرة فى الحرب وتحرير الارض والتى كانت تشكل اكبر الضغوط على حكم السادات والتى عبرت عنها الحركة الطلابية المصرية بمظاهرات حاشدة من اول رفض ما عرف حينها "باحكام الطيران" سنة 1968...وحتى مظاهرات الطلاب سنة 1970 ، 71 .... وبالرغم من كل ذلك فاننا لا يمكننا اغفال ابطال حقيقيين قدموا الكثير لهذا الوطن وعلى رأسهم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس اركان حرب القوات المسلحة ومهندس عملية العبور 1973 والذى كان يتم اغفالة عن عمد فى ذكرى انتصارات اكتوبر حتى لا ياخذ المساحة التى توهمها مبارك لنفسة ..والشاذلى بحق لم يكن رجلا عسكريا محترفا ووطنيا فحسب فمثل ذلك كثير فى صفوف القوات المسلحة ولكن ملكاتة الفردية من الاعتداد بالنفس والجرأة والشجاعة فى الاختلاف مع السادات سياسيا هو ما يميز الشاذلى عن غيرة من الجنرالات ...فقد اختار ان يستقيل من موقعة فى ذروة الانتصار الذى خططة هو ...لانة غير موافق على الاداء السياسى للسادات ومن المعروف ان الجنرالات لايملكون من المجد والشهرة الا لحظة نادرة كهذة اللحظة ولكنة ضحى بكل ذلك انتصارا للمبدأ وللحق .

لهذا فانة من الاهمية بمكان ان نعرض لكم تسجيل وثائقى هام جدا للشاذلى فى برنامج شاهد العصر...لنتعرف عن قرب على هذا الرجل الشريف.











































كما يمكنك تحميل كتاب حرب اكتوبر لسعد الدين الشاذلى من هنا وهو من اروع وادق الكتب فى تفاصيل هذة الحرب المعقدة..لانة كاتبة رجل عسكرى محترف وليس مجرد صحفى كما تعودنا ان نقرا عن حرب اكتوبر منهم

حرب اكتوبر



Monday, October 3, 2011

بيان صحفي بشأن نتائج اجتماع المجلس العسكري مع ممثلي بعض الأحزاب السياسية


بعد الاطلاع على البيان الصادر عن المجلس العسكري بشأن اجتماعه مع عدد من ممثلي الأحزاب السياسية يوم 1/10/2011 ، قرر حزب التحالف الشعبي الاشتراكي ما يلي :

1- يرى الحزب أن البيان المشار إليه أعلاه لا يلزم أحدًا غير الأطراف التي وقعت عليه ، وهي بالقطع لا تمثل باقي القوى السياسية التي لم تحضر الاجتماع ، وبالأخص قوى شباب الثورة .

2- برغم من اشتمال البيان على بعض المكاسب الجزئية والمحدودة إلا أن الحزب يرى أن البيان لم يستجب للمطالب الاساسية التي سبق إعلانها من جانب قوى الثورة ، وهي مطلب إجراء الانتخابات بالقائمة النسبية غير المشروطة على جميع مقاعد مجلسي الشعب والشورى ، ومطلب إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية ، ومطلب إصدار قانون للعزل السياسي قبل الانتخابات ، ومطلب إلغاء حالة الطوارئ ، وليس مجرد النظر في دراسة المطلبين الأخيرين .

3- إن ما احتواه البيان من استجابات لبعض المطالب جاءت جزئية ومحدودة وبعد ضغوط جماهيرية متكررة فالجدول الزمني المقترح جاء فضفاضًا ولا يقدم مواعيد قاطعة بتسليم الحكم إلى سلطة مدنية منتخبة ، وفيما يتعلق بوقف المحاكمات العسكرية للمدنيين قد كان من الضروري الاستجابة أيضًا لمطلب إعادة محاكمة ممن حوكموا عسكريًا في الفترة الماضية، أمام القضاء المدني .

4- يناشد حزب التحالف الشعبي الاشتراكي الأطراف غير الموقعة على البيان الصادر عن المجلس العسكري بالتمسك بالمطالب الأساسية المشار إليها بالبندين السابقين ، ويؤكد حزبنا على موقفه السابق إعلانه مرارًا وتكرارًا أن إدارة المجلس العسكري للمرحلة الانتقالية يشوبها الكثير من السلبيات ومجافاة روح الثورة ، ولذا فإن حزبنا يطالب المجلس العسكري بالتخلي عن دور الوصي والاستجابة الفورية لمطالب الثورة .

حزب التحالف الشعبي الاشتراكي



Monday, September 19, 2011

تعرف-ي على القائد الاشتراكي الثوري ليون تروتسكي


21 سبتمبر 2011

.. طالما بقيت على قيد الحياة سأناضل من أجل المستقبل، ذلك المستقبل البراق حيث يكون الإنسان أقوى وأجمل، ويصبح سيدًا لحركة التاريخ العلوية، ليدفعه نحو أفق من الجمال اللا محدود والمتعة والسعادة..

كان ليون تروتسكي يبلغ من العمر إحدى وعشرين عامًا عندما كتب هذه الكلمات، ولم يكن يدري أنه في غضون سنوات قليلة سيصبح واحدًا من ألمع القادة البلاشفة في ثورة أكتوبر 1917.
في 26 أكتوبر 1879 ولد ليف دافيدوفيتش برونشتاين (الاسم الحقيقي لتروتسكي) لأسرة يهودية في أوكرانيا، وكان أبوه فلاحًا غنيًا، وإلا لما استطاع تروتسكي أن يحصل إلا على قدر ضئيل من التعليم في بلد كانت حكومته تشجع معاداة السامية ومذابح اليهود، وبعد فترة من الرومانسية الثورية أصبح تروتسكي ماركسيًا، وقبض عليه للمرة الأولى في سن التاسعة عشر وحكم عليه بالنفي إلى سيبيريا بعد قضاء 18 شهرًا في اسجن، ولكنه هرب في 1902 ومنذ ذلك الوقت وحتى موته أصبحت الثورة مهنته.
حلق نجم تروتسكي عاليًا في ثورة 1905 عندما قاد جماهير العمال في سوفييت بتروجراد، وطور أعظم مساهماته في النظرية الماركسية – نظرية الثورة الدائمة، وكان يبلغ من العمر آنذاك 26 علمًا. وقد تعرضنا لنظرية الثورة الدائمة وخلفياتها التاريخية بالتفصيل في عدد سابق من الاشتراكية الثورية، ونكتفي هنا بالقول أن عبقرية تروتسكي قد قادته في سن مبكرة لاكتشاف المسار التاريخي لثورة ظافرة في البلاد المتأخرة اقتصاديًا. حيث تستطيع الطبقة العاملة المنظمة قيادة جماهير الفلاحين الفقراء نحو الثورة الاشتراكية نتيجة لطبيعة التطور اللامتكافئ والمركب الناتج عن توسع الإمبريالية في تلك البلاد، وأن هذه الثورة – لكي تستطيع أن تزيح الروث البرجوازي بكامله عليها أن تمتد نحو آفاق الثورة العالمية.
قبل ذلك بعامين خاض تروتسكي معركة حامية الوطيس ضد لينين عندما انقسم البلاشفة والمناشفة في مؤتمر 1903 حول مسألة العضوية والمركزية الديمقراطية، تبنى تروتسكي موقف المناشفة ووجه نقدًا لاذعًا ضد "بونابرتية" لينين المركزية. فمثل روزا لوكسمبورج كان تروتسكي يعتقد أن تطور النضال الجماهيري للمال سينتج عنه تطور وعي البروليتاريا لتلعب دورها السياسي المستقل، وأن الحزب الثوري سيكون بالأساس انعكاسًا لتطور وعي الطبقة العاملة. ولكن يبدو أن ثورة فبراير 1905 واستتباعاتها قد أقنعت تروتسكي بصحة آراء لينين بأن منظمة طليعية متجانسة سياسيًا مثل البلاشفة هي وحدها التي تستطيع أن تدفع الحركة العفوية للصراع الطبقي نحو الاستيلاء على سلطة الدولة. في أطروحات إبريل 1917 تبنى لينين نظرية الثورية الدائمة وكان ذلك وراء انضمام تروتسكي إلى البلاشفة في صيف 1917، ولكن بدون البلاشفة كانت نظرية الثورة الدائمة ستظل رغم كل مواهب تروتسكي كقائد جماهيري، بناءًا نظريًا مجردًا يفتقد الآليات القادرة على تحقيقه.
بعد موت روزا لوكسمبورج كتب لينين في رثائها: "أحيانًا ما تطير النسور في مستوى أقل من الدجاج، ولكن يستحيل أن يرتفع الدجاج إلى قسم النسور"، أكد لينين أن روزا لوكسمبورج رغم كل أخطائها كانت نسرًا، نفس الشيء ينطبق على تروتسكي عند مارنة موقفه في 1903 بصعوده المدهش خلال ثورة 1905.
انضم تروتسكي إلى الحزب البلشفي في يوليو 1917 – الذي أصبح حزبًا جماهيريًا بحلول ذلك الوقت – وبقوة شخصيته وموهبته وسمعته أصبح تروتسكي في غضون أسابيع قليلة الرجل الثاني، بعد لينين، في قيادة الجماهير المؤيدة للحزب. تولى تروتسكي مهمة التنظيم الفعلي لانتفاضة أكتوبر، وأصبح وهو في الثامنة والثلاثين من العمر من أهم قيادات الحزب والدولة، وبعد ذلك بفترة وجيزة، أحد أهم قيادات الحركة الشيوعية العالمية – الاسمية الشيوعية. وكان إلى جانب ذلك كله مؤسس وقائد الجيش الأحمر وذا تأثير واسع في كل مجالات الحياة السياسية.
لم يتعرض واحد من قادة البلاشفة لمثل التشويه والهجوم الذي تعرض له تروتسكي، فلا يخلو إصدار تقريبًا لدار التقدم من صفحة أو اثنتين عن تروتسكي عميل الفاشية والمعادي للثورة الاشتراكية. إن هذا التزييف والتشويه لواحد من أهم قيادات الثورة الاشتراكية يمثل في الحقيقة أحد جوانب الثورة المضادة منذ سيطرة البيروقراطية بقيادة ستالين على الحزب والدولة، ومنذ بدأ تروتسكي سلسلة جديدة من النضالات دفاعًا عن مبادئ أكتوبر والثورة البروليتارية العالمية.
ففي مواجهة سيطرة البيروقراطية بعد تطور السياسة الاقتصادية الجديدة، أسس تروتسكي المعارضة اليسارية في 1923، وقد وصف تروتسكي نفسه الخلفية التي قامت عليها المعارضة اليسارية قائلا:
"على أساس السياسة الاقتصادية الجديدة، عادت إلى الظهور شريحة واسعة من البرجوازية الصغيرة في المدن، وانتعش الليبراليون من جديد. وفي الريف استطاع الكولاك – أغنياء الفلاحين – أن يرفعوا رؤوسهم. ثم قامت قطاعات كبيرة من المسئولين الحكوميين، تمامًا لأنهم أصبحوا سلطة فوق الجماهير، بالتقرب من الشرائح البرجوازية، وأقاموا علاقات عائلية معهم".
لقد قامت المعارضة اليسارية في مواجهة الطبقات التي صعدت مع السياسة الاقتصادية الجديدة – البيروقراطية، ورجال النيب (السياسة الاقتصادية الجديدة)، والكولاك (أغنياء الفلاحين) – وكانت تهدف إلى مقرطة الحزب وتخفيض الجهاز البيروقراطي والتوسع في التصنيع من خلال الضغط المالي على الكولاك ورجال النيب لمواجهة البطالة وإحياء الطبقة العاملة اقتصاديًا وسياسيًا وبالتالي خلق أساس الديمقراطية السوفيتية.
وقوبل تروتسكي بالرفض القاطع من رجالات الحزب والدولة – جناح ستالين – لأطروحاته، ومع إعلان "الاشتراكية في بلد واحد" في 1928 التي بلورت تمامًا اتجاه ستالين إلى نظام رأسمالية الدولة نفي تروتسكي من روسيا، واندفعت الطبقة الحاكمة في حملة من التشويه ضد الجنرال الأعزل.
ومع ذلك ظل تروتسكي يتقد طيلة حياته أن روسيا لا زالت دولة عمالية ولكنها مشوهة بيروقراطيًا. لن نخوض طويلاً في خلفيات هذا الموقف لضيق المجال ولكن يكفي أن نقول أن كتاب تروتسكي نفسه "الثورة المقدورة" يكاد يعلن أنها رأسمالية دولة. إن خطأ تروتسكي في تمسكه بنظرية الدولة العمالية المنحطة بيروقراطيًا يعود إلى تحليله الخاطئ للأوضاع في روسيا استنادًا إلى شكل ملكية رأس المال، وليس إلى مضمونها، حيث اعتقد بأن ملكية الدولة لوسائل الإنتاج (التأميم) يعني ملكية المجتمع (الملكية الاشتراكية)، وبالإضافة إلى ذلك تصور أن البيروقراطية لا يمكن أن تشكل طبقة حاكمة تحركها مصالحها الخاصة في منافسة مع طبقات حاكمة وأخرى وأعتقد أنها لا يمكن إلا أن تمثل مصالح طبقة اجتماعية محددة، وحيث أن الطبقة الحاكمة قد تم القضاء عليها، وأن الطبقة العاملة قد صفيت بسبب الحروب والمجاعة فإن البيروقراطية معلقة في الهواء، تتردد أحيانًا نحو اليمين بتأييد رجال النيب والكولاك وأحيانًا نحو اليسار بالتجميع القسري في الزراعة. وبالطبع – اتساقًا مع هذا المنطق – فإن هذا الوضع مؤقت بطبيعته إلى أن تقوم الطبقة العاملة بثورة سياسية تعيد إليها السيطرة على وسائل الإنتاج.
ولكن البيروقراطية – على حد تعبير توني كليف – لعبت في الواقع دور التشخيص الأمثل لرأس المال، فقضت على بقاسا السيطرة العمالية على الإنتاج، وأخضعت استهلاك الطبقة العاملة لمصالح التراكم التنافسي مع الطبقات الحاكمة في الغرب، واستخدمت نفوذها السياسي في الحصول على مكاسب اقتصادية من خلال أبشع وسائل استغلال واستنزاف جماهير العمال والفلاحين. ودعمت ذلك كله من خلال جهاز دولة قمعي ومستبد. إن التأميم تحت سيطرة البيروقراطية كان يخدم رأس المال وليس له علاقة بالتأميم تحت سيطرة العمال (سيطرة الطبقة العاملة على وسائل الإنتاج) الجوهر الحقيقي للثورة العمالية.
إن النسور لا تهدأ وإن كانت على قمم الجبال، فهي دائمًا تنظر إلى البعيد، وتحلق في كل اتجاه مهما اشتدت العواصف، ورغم أن تروتسكي قد تحطمت أجنحته مع انحطاط الثورة الروسية إلا أنه ظل يحدق في البعيد ويستخدم ريشته بإتقان، هاجم تروتسكي المقولة الزائفة عن إقامة الاشتراكية في بلد واحد، وأصر على أن مصير الاشتراكية مرتبط بالثورة البروليتارية العالمية وظل يناضل حتى آخر قطرة من دمه – الذي أريق غدرًا على يد أحد عملاء ستالين بالمكسيك – ضد خيانات الستالينية لحركة الطبقة العاملة العالمية وخزعبلاتها المدمرة.
كان تروتسكي أشد المدافعين حدة عن استقلال حركة الطبقة العاملة كما اتضح من موقفه من الثورة الصينية 25 / 1927 عندما دعا ستالين وبوخارين بعد سيطرتهم على الأممية الثالثة الحزب الشيوعي الصيني إلى الدخول في تحالف مع الكومنتانج – الممثل للجناح الوطني من البرجوازية الصينية والذي منح عضوية شرفية في الأممية الشيوعية – من أجل إنجاز "الثورة الوطنية الديمقراطية" لتحرير الصين من الاستغلال الأجنبي، كان تروتسكي قد جرد تمامًا من أي تأثير سياسي داخل الحزب الروسي بعد سيطرة الجناح البيروقراطي بقيادة ستالين، رغم أنه لم يزل عضوًا في المكتب السياسي، طالب تروتسكي بانسحاب الحزب الشيوعي الصيني من حلف الكومنتانج في إبريل 1926، وبنفس الحدة والوضوح العبقري الذي ظل يلازمه طوال حياته كتب تروتسكي تعليقًا على التحالف الرباعي الذي قاده الكومنتانج بمباركة ستالين والحزب الشيوعي الصيني تحت واجهة الثورة البرجوازية الديمقراطية (تحالف بين البرجوازية والبرجوازية الصغيرة المدينية والعمال والفلاحين):
".. ما معنى ذلك على أي حال – كتلة من أربع طبقات؟! هل واجهنا هذا التعبير في التراث الماركسي من قبل؟! إذا قادت البرجوازية جماهير المقهورين تحت لافتة برجوازية واستولت على سلطة الدولة من خلال هذه القيادة، إذن فذلك ليس تكتلا ولكنه استغلال البرجوازية السياسي لجماهير المقهورين..".
وغني عن الذكر أنه بعد انتصار الطبقة العاملة على نظام لوردات الحرب أمر الكومنتانج بنزع سلاح العمال ولم يبد الحزب الشيوعي الصيني مقاومة تذكر، وكانت النتيجة تعرض عناصر الحزب الشيوعي للذبح واستئصال الحركة العمالية على أيدي الكومنتاج البرجوازي.
كانت سيطرة ستالين ومجموعته على الاسمية الشيوعية تتحدد بعاملين، أولا باحتياجات جناح ستالين في الصراعات الداخلية في الحزب في الاتحاد السوفيتي، ثم بعد ذلك، باحتياجات السياسة الخارجية لحكومة ستالين. فبعد فترة وجيزة من التذبذب "اليساري" في 1924، اندفع الكومنترن (الأممية الشيوعية) في اتجاه اليمين حتى عام 1928، ثم تطرف يساري من 1928 إلى 1934 وأخيرًا نحو اليمين في فترة الجبهة الشعبية من 1935 إلى 1939، وجه تروتسكي انتقادات عنيفة للكومنترن في كل تردداته، وأثبتت الأحداث اللاحقة بعد نظره. في بريطانيا اندفع الحزب الشيوعي وراء قيادات النقابات بتوجيهات اللجنة النقابية الأنجلوسوفيتية، وكانت النتيجة أن فشل الحزب في كسب تأييد الطبقة العاملة بعد خيانة القيادات النقابية لاضطراب 1926 في بريطانيا.
وفي صيف 1928 قامت الأممية الشيوعية بتحول جديد، هذه المرة نحو التطرف اليساري من النوع البيروقراطي حيث تم تجاهل الظروف المحلية للأحزاب الشيوعية في البلاد المختلفة، كان ذلك يعني في الممارسة أنه في عصر صعود خطر الفاشية خاصة في ألمانيا اعتبرت أحزاب الأممية أن الاشتراكيين الديمقراطيين – الجناح الإصلاحي في الحركة العمالية آنذاك – هم العدو الرئيسي. ووضعت في سلة واحدة الاشتراكيين الديمقراطيين والنقابات العمالية التابعة لهم مع الفاشية. وتمتعت كتابات تروتسكي حول الفاشية بوضوح عبقري وسعة أفق متميزة نادرصا ما توفرت لأي ماركسي آخر، فقد كتب عن ألمانيا:
".. إن النمو الهائل للاشتراكية الوطنية (الفاشية) هو تعبير عن عاملين: أزمة اجتماعية عميقة تدفع جماهير البرجوازية الصغيرة إلى حالة من عدم التوازن، وافتقاد حزب ثوري يمكن أن تعتبره الجماهير اليوم القيادة الثورية المعترف بها. فإذا كان الحزب الشيوعي هو حزب الطموح الثوري، فإن الفاشية كحركة جماهيرية هي حزب الإحباط المضاد للثورة، وعندما يهيمن الطموح الثوري على جماهير البروليتاريا، سيجر وراءه بالضرورة على الطريق الثوري قطاعات من البرجوازية الصغيرة، وبالضبط في هذا المجال بينت الانتخابات (الألمانية) العكس: فالإحباط المضاد للثورة هيمن على جماهير البرجوازية الصغيرة بالقوة التي استطاعت أن تجر وراءها قطاعات كبيرة من البروليتاريا.
أصبحت الفاشية في ألمانيا خطرًا حقيقيًا كتعبير حاد عن الوضع المأزوم للنظام البرجوازي والدور المحافظ للاشتراكية الديمقراطية والعجز التاريخي للحزب الشيوعي في القضاء عليها. إن من ينكر ذلك إما أن يكون أعمى أو مغرور".
في مواجهة ذلك دعا تروتسكي أن تقوم الطبقة العاملة بالدفاع المنظم عن نفسها ضد خطر الفاشية من خلال تكتيك الجبهة المتحدة، وذلك بهدف توحيد أحزاب الطبقة العاملة حول مهمة دفاعية ضد خطر الفاشية. رفض الكومنترن ذلك تحت خطابة يسارية زائفة تخفي ضعفهم الحقيقي، ونتيجة لذلك وصل هتلر إلى السلطة وانهارت الحركة العمالية.
بعد انتصار هتلر اندفعت الطبقة الحاكمة في الاتحاد السوفيتي إلى التحالف العسكري مع القوى الغربية المسيطرة آنذاك فرنسا وبريطانيا، واتجهت الأممية الشيوعية من جديد إلى اليمين، فصرح المؤتمر السابع والأخير للأممية في 1935 أن الثورة ليست على جدول الأعمال ونادى بـ"الجبهة الشعبية المتحدة للنضال من أجل السلام.. وكل من يهمهم أمر الحفاظ على السلام يجب جذبهم إلى هذه الجبهة".. وكان من بين هؤلاء بالطبع الطبقات الحاكمة في فرنسا وبريطانيا. وكان نتيجة ذلك إخضاع مصالح الطبقة العاملة للإمبريالية والطبقات الحاكمة المحلية، والأهم للسياسة الخارجية للستالينية.
ولم يقتصر دور تروتسكي على إيضاح النتائج الكارثية لهذه السياسة وإنما حاول بشكل مباشر تنبيه الأحزاب الشيوعية التي اتبعتها إلى مخاطر تذيل البرجوازية، كما حدث في أسبانيا وفرنسا – كتب تروتسكي في 1937:
"كانت البروليتاريا الأسبانية من ناحية أهميتها في الحياة الاقتصادية للبلاد ومستواها الثقافي والسياسي في أول أيام الثورة تفوق البروليتاريا الروسية في بداية 1917. ولكن منظماتها الخاصة كانت العقبة الرئيسية في طريق انتصارها... فنتيجة لنشاطهم (الستالينين وحلفائهم) تم إخضاع معسكر الثورة الاجتماعية – العمال والفلاحين – لمصالح البرجوازية". وأضاف:
"إن الجبهة الشعبية، بتبنيها مهمة إنقاذ النظام الرأسمالي، حكمت على نفسها بالهزيمة، ونجح ستالين من خلال قلب البلشفية رأسًا على عقب، في القيام بدور حفار قبر الثورة".
كتب تروتسكي في يومياته في 25 مارس 1935:
"أعتقد أن العمل الذي أقوم به الآن، رغم عدم كفايته وتفتته، لهو أهم عمل أقوم به في حياتي، أهم من 1917، وأهم من فترة الحرب الأهلية أو أي شيء آخر... هكذا لا أستطيع أن أتكلم عن ضرورة أعمالي حتى في الفترة من 1917 إلى 1921، ولكن عمل الآن لا غنى عنه بكل معنى الكلمة... لا يوجد أحد غيري ليقوم بمهمة تسليح الأجيال الجديدة بالمنهج الثوري رغم أنف قيادات الأممية الثانية والثالثة".
إن السبيل الوحيد للحفاظ على التراث الماركسي الثوري، للحفاظ على الماركسية، هو تطبيق هذا التراث على الصراع الطبقي، إن جوهر الماركسية هو وحدة النظرية والممارسة، لقد استكمل لينين وروزا لوكسمبورج وتروتسكي مهمة ماركس وانجلز، والاستمرار لا يعني التكرار، ولكنه يعني استخدام تعاليم الأجيال السابقة في التفاعل مع القضايا الجديدة التي يطرحها الواقع.
وعلى الرغم من أن أعمال تروتسكي في الفترة من أواخر العشرينات إلى 1940 كانت كما قال هو شخصيًا أهم أعماله، لأنه أبقى على شعلة البلشفية وربى أجيالا متماسكة حول التراث الماركسي الأصيل إلا أنه وقع في عدة أخطاء استراتيجية: أهمها كان تأسيسه للأممية الرابعة على أساس تحليل خاطئ للوضع العالمي، فمن ناحية لم يكن لأتباع تروتسكي قاعدة تذكر في أوساط الطبقة العاملة التي كان يسيطر عليها الأحزاب الستالينية والاشتراكية الديمقراطية، فجاءت الأممية من أوساط برجوازية صغيرة – حلقات صغيرة – منعزلة وفوقية. ومن ناحية أخرى كان تروتسكي يرى أن أزمة النظام الرأسمالي في ذلك الوقت هي أزمته الأخيرة وأن الطبقة العاملة قريبًا ستثور من جديد وبالتالي جاء خطأ تروتسكي الثاني وهو صياغة البرنامج المطلبي الانتقالي للأممية الرابعة الذي اعتمد على إفلاس النظام الرأسمالي وأزمته الاقتصادية والاجتماعية.
إن كتابات تروتسكي في السنوات من 1928 إلى 1940 – المقالات والكتب حول التطورات في ألمانيا وفرنسا وأسبانيا تعد من أروع الأدبيات الماركسية، وتوضع في مصاف أفضل كتابات ماركس التاريخية، الثامن عشر من برومير لويس بونابرت" و"الصراع الطبقي في فرنسا"، فلم يقتصر تروتسكي على تحليل المواقف، ولكنه وضع خطا واضحا لحركة البروليتاريا.
ومن ناحية أخرى يتجاوز كتاب تروتسكي تاريخ الثورة الروسية أي كتابات تاريخية ماركسية أخرى، فهو يعتبر مأثرة فنية تحليلية غير مسبوقة في عناها وجمالها.

إن أجيالاً من الماركسيين في الحاضر والمستقبل سيحملون شعلة الثورة التي تركها لينين ولوكسمبورج وتروتسكي وتراث كوميونة باريس والثورة الروسية في 1905 و1917 والثورة الصينية في 25 – 1927 واثورة الأسبانية.. إلخ. إن إسهامات تروتسكي دين في أعناقنا، فبدون معارضته لستالين، وبدون أمميته، وبدون تراث "الاشتراكية من أسفل"، بدون ذلك كله لكان ارتباط الاشتراكية بالتحرر الذاتي للطبقة العاملة مهددًا بالضياع.

Tuesday, September 6, 2011

مخاض


وسط امواج التوتر والاضطراب . القلق والترقب ....الطموح والاحباط .......يحاول جاهدا ان يرسوا على شاطىء .....ان يثبت على يقين ..حقيقة ......ربما لا داعى لشاطىء "بحالة " ...فموضع قدم ثابت يقى من الغرق والتية يكفى .....دائما ما تحاول الامواج ان تحرفة عن قبلتة وكثيرا ما يستسلم لها ..... لذا فهو يحتاج الى شىء اثمن من القبلة ذاتها.... " المثابرة " فى الوصول اليها ، ولانة لا يوجد عرابا ....مرشدا....فوجب ان يكون هو المرشد....هو العراب ......لان الولادة الاولى لا تعدو ان تكون سببا للوجود......اما "الوصول الى المعنى " ..."تحقيق الذات".....المحاولات المضنية للاتساق معها ... كل ذلك .يحتاج الى ولادة ثانية ....اين منها الام المخاض الاول......... .....فللمرة الثانية تعود الى الوحدة مع الاحتواء .....العزلة وسط الزحام ...وهذة المرة انت من تتحمل الام تلك الولادة ....اذ ان ذاتك الجنينية ....لا تهم فى الحقيقة اى شخص الا انت ....واذا فلا مفر من الام المخاض رغم قسوتها ......ولكن ما يجعلك تتحمل كل هذا العناء ...هو الحلم بميلاد جديد......ان تكون ....انت ...ولا شىء اخر

Monday, July 18, 2011

انجلس والثورة

إن الثورة هي دون شك سلطة ما بعدها سلطة، الثورة هي عمل يفرض به قسم من السكان إرادته على القسم الآخر بالبنادق، بالحراب، بالمدافع، أي بوسائل لا يعلو سلطانها سلطانا. ويأتي على الحزب الغالب أن يحافظ بالضرورة على سيادته عن طريق الخوف الذي توجه أسلحته للرجعيين. فلو لم تستند كومونة باريس إلى سلطان الشعب المسلح ضد البرجوازية فهل كان بإمكانها أن تصمد أكثر من يوم واحد ؟ وهلا يحق لنا أن نلومها، بالعكس،
لأنها لم تلجأ لهذا السلطان إلاّ قليلا جداً ؟"


/ انجلس

Monday, July 11, 2011

عودة الثورات العربية 1

أليكس كالينيكوس


كتب الناقد الماركسي الألماني والتر بنجامين في شتاء 39/1940 نصًا متميزًا تحت عنوان “أطروحات حول فلسفة التاريخ”، هاجم فيه الاعتقاد الشائع وسط اليسار حول حتمية تحقق الاشتراكية نتيجة للتطور التاريخي. وقال “لم يُفسد الطبقة العاملة الألمانية شيئًا بقدر ما أفسدتها فكرة أنها تتحرك في اتجاه التيار.” الثورة ليست نتيجة معينة لتقدم البشرية عبر زمن فارغ متجانس”. بل هي “وثبة نمر إلى الماضي” تحشد ذكريات معاناة الماضي وقهره ضد الطبقة الحاكمة. واختتم بنجامين فكرته بالإشارة إلى التراث اليهودي المسيحي، الذي جاء فيه أن “كل ثانية من الزمن بمثابة بوابة ضيقة قد يمرق منها المسيح”. (1)

وبعبارة أخرى، الثورات ليست نتيجة متوقعة لحركة التاريخ للأمام، بل أنها انفجار مفاجئ غير متوقع، في تاريخ يمثل “كارثة واحدة، يتراكم داخلها الحطام فوق بعضه البعض”.(2) لقد كتب بنجامين هذه الكلمات في لحظة تاريخية كئيبة، “لحظة الظلام في القرن”، حينما بدت معاهدة هتلر وستالين وكأنها رمزًا لموت الآمال الراديكالية كافة. ومع ذلك، تتلاءم الفكرة تماما مع الثورات التي تجتاح أنحاء العالم العربي منذ منتصف ديسمبر. فقد بدت تلك الثورات وكأنها انفجار جاء من العدم؛ انفجار غير متوقع على الإطلاق؛ انفجار نتيجة لغضب استمرت ضغوطه العميقة على مدار عقود. ولن تقتصر نتائج تلك الثورات على مجرد إعادة صياغة الخريطة السياسية في الشرق الأوسط ، بل سوف تتجاوز معانيها التاريخية ذلك بكثير.

وفي المقام الأول، عبَّرت الهبَّات التي حدثت في تونس ومصر وليبيا، والصدى الذي أحدثته في المنطقة، عن عودة غير متوقعة للثورة العربية. ففي الماضي، بدأ اجتياح الثورة العربية للشرق الأوسط ـ حينما كانت الإمبريالية البريطانية والفرنسية لا تزال مهيمنة ـ مع استيلاء حركة الضباط الأحرار في مصر على السلطة عام 1952. وبعد انتصار جمال عبد الناصر في الصراع الداخلي، لم يكتف بالنجاح في مواجهة القوى الاستعمارية، والاستيلاء على معظم أصول الطبقات المصرية المالكة، بل أنه على الصعيد الإقليمي دعا إلى نشر وعي الانتماء إلى أمة واحدة، وتجاوز الحدود السياسية التي تقسم المنطقة إلى دول مختلفة، والتي نتجت عن العهد الاستعماري. وفي 1958، أعلن ناصر الجمهورية العربية المتحدة، وكانت تعني اتحادًا لم يعمر طويلا بين مصر وسوريا. وشن حربًا طويلة بالإنابة في شمال اليمن مع المملكة العربية السعودية، التي كانت في ذلك الحين ـ ومازالت حتى هذه اللحظة ـ قلعة الرجعية العربية. كما لعب تابعوه دورًا نشطًا في الثورة العراقية الكبرى بين 58-1963. وكانت حركة الوحدة العربية الناصرية، التي أسسها الناصريون العرب، ميدانًا لتدريب القيادات الأكثر راديكالية في المقاومة الفلسطينية.

ومُنيت حركة الوحدة العربية الناصرية ـ التي كانت تشهد تراجعًا حقيقيًا ـ بهزيمة ساحقة عندما، انتصرت إسرائيل على مصر ودول عربية أخرى في حرب الأيام الستة في يونيو 1967. وتوفي عبد الناصر كسيرًا بعد ذلك بثلاث سنوات. وتواصل الوعي القومي العربي، وإن كان بأشكال أكثر تدنيًا، من خلال النظم الديكتاتورية البعثية في سوريا والعراق، وبصورة أكثر إيجابية من خلال التضامن مع النضال الفلسطيني. ولكن قدرة الوعي القومي العربي على الاستمرار اتضحت من خلال سرعة انتشار فيروس الثورة من تونس ـ بعد سقوط زين العابدين بن علي في 14 يناير ـ إلى مصر واليمن والبحرين وليبيا. وفي الحقيقة، تأثرت إيران ـ التي تعد بدورها قوة مؤثرة بشكل متزايد في العالم العربي ـ بتلك الثورات، التي قامت بإنعاش الثورة الخضراء. ثم أرسل الحكام الأوتوقراطيون في مجلس التعاون الخليجي قوات إلى البحرين في منتصف مارس/ لوقف مد هذا الفيروس الثوري.

ولكن التاريخ لا يعيد نفسه. لقد سعت الوحدة العربية التي دعا إليها ناصر إلى توحيد العالم العربي ضد الإمبريالية الغربية، وبرجوازية القطاع الخاص العربية، وملاك الأراضي. وتم هذا على خلفية تحركات جماهيرية ضخمة في مصر والعراق في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات، حيث دفعت الأنظمة العميلة لبريطانيا تلك البلدان إلى ما بدا أنه أزمتها الأخيرة. لكنه كان مشروعًا من أعلى، إذ عمل الضباط الأحرار، وناصر شخصيًا، على الاحتفاظ بالسيطرة بشكل متزايد على القوى الشعبية، والتلاعب بها، ومحاولة تقسيمها وقمعها بقسوة. وفي مصر على سبيل المثال، تضمنت هذه القوى الأخوان المسلمين والحركة الشيوعية (3). وعلى عكس هذا، كانت الثورة العربية في 2011 تمردات شعبية من أسفل. وكما يردد المعلقون ـ إلى حدود مبالغ فيها أحيانًا ـ، لم يتبع هؤلاء حزبًا أو حركة سياسية، وإنما حركتهم طموحات ديمقراطية تجسدت في أشكال التنظيم الذاتي التي ظهرت بسرعة في كل مواقع النضال.

إننا نشهد تجديدًا في الشكل السياسي التقليدي للثورة. فكثيرًا ما زعمت النظريات والشخصيات السياسية ـ على مدى عشرين عاما ـ أن الثورة انتهت، سواء بسبب الانتصار النهائي للرأسمالية عام 1989، أو الانتقال إلى حقبة “ما بعد الحداثة”. وبدا في مرحلة من المراحل أنه لا سبيل لعودة الثورات إلى الظهور، إلا إذا قللت من طموحها، واتخذت شكل “الثورات الملونة” التي تحل فيها عصابة من المستبدين محل عصابة أخرى، تحت لافتة “الديمقراطية” وبدعم مادي ومعنوي كبير من واشنطون.

وبالرغم من الحديث المتواصل حول دور الفيسبوك وتويتر في الانتفاضات العربية (وهي فكرة فندها جوني جونز في موقع آخر من هذا النشرة)، فإن الأمر العجيب هو مدى تشابه الثورة في تونس ومصر مع النموذج الذي تأسس لأول مرة أثناء الثورة الإنجليزية في أربعينيات القرن السابع عشر، والثورة الفرنسية العظمى في تسعينيات القرن الثامن عشر ـ بمعنى حشود جماهيرية، وانقسام النخبة في القمة، ونزاعات على الولاء داخل القوات المسلحة، ونزاعات من أجل تحديد السمات السياسية والاقتصادية للأنظمة التي قد تخلف النظام القائم، وكذلك إمكانية وجود حركات أكثر راديكالية من أسفل. وفي ليبيا وقت كتابة هذا المقال، نرى الوجهة الأساسية لمعمر القذافي والثوار المناهضين له، في محاولة كل طرف جمع عدد كاف من المحاربين والأسلحة لتحقيق نصر ساحق على الطرف الآخر، الأمر الذي أدى إلى اندلاع حرب أهلية ما تزال نتيجتها غير مؤكدة، وهو ما يُستخدم الآن في تبرير التدخل الإمبريالي الأخير في العالم الإسلامي. وفي كل الأحوال، فقد تبيَّن أن الثورة حقيقة تحدث في القرن الواحد والعشرين.

الأزمة الاقتصادية تطلب ضحايا سياسيين

بالطبع، لا يوجد أسهل من الزعم بأن الثورة العربية هبطت من السماء. وبالنظر إلى الحالة الأهم، وهي مصر، فإنه من خلال دراسة جماعية نُشرت قبل سنتين لمجموعة باحثين من اليسار الراديكالي ـ منهم عدد من المساهمين في هذه المجلة ـ نجد تناقضات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وصعود لحركات المقاومة، وهي أمور كلها دفعت نظام حسني مبارك إلى “لحظة التغيير”.(4) وكما أكد ماركس نفسه “من الضروري أن نفرق دائما بين التحول المادي للظروف الاقتصادية للإنتاج، التي يمكن تحديدها بدقة تماثل دقة العلوم الطبيعية، وبين الأشكال القانونية والسياسية والدينية والفنية والفلسفية ـ في كلمة واحدة “الأيديولوجية” ـ التي يصبح الإنسان بواسطتها واعيًا بهذا الصراع ومشاركًا فيه”.(5) إن تحديد التناقضات البنيوية المتسببة في زعزعة استقرار مجتمع معين أمر مختلف تماما عن تحديد متى وكيف سوف تتفاعل هذه التناقضات وتؤدي إلى انفجار سياسي.

ولكننا نتعامل هنا مع موجة ثورات عابرة للقومية، ومن ثم يصعب أن نضع يدنا ببساطة على العوامل المفجرة لكل منها على المستوى القومي. وفي واقع الأمر، يمكن للأزمة الاقتصادية والسياسية العالمية أن تكون البداية الأفضل عن تحليل هذه الثورات. ذلك أنه في العام الماضي، كتبت سوزان واتكينز، المحررة في نيو ليفت ريفيو، “ربما كان أكثر ما يلفت النظر في أزمة 2008، هو أنها جمعت حتى الآن بين الاضطراب الاقتصادي والركود السياسي”.(6) والآن، تبدو عبارة “حتى الآن” جزءًا أساسيا في هذه الجملة. وكما أشرنا في ردنا عليها، لابد أن يُنظر إلى أزمة بنيوية طاحنة، مثل الأزمة الحالية، باعتبارها ظاهرة ممتدة، تمر عبر سلسلة من المراحل المختلفة(7(.

وعبر باحثان ماركسيان في الاقتصاد مؤخرًا عن وجهة نظر مشابهة، مع اختلاف تفسيرهما للأزمة عما تم نشره في هذه المجلة، وهما جيرارد دومينيل و دومينك ليفي:

الملمح المشترك في الأزمات البنيوية هو تعدد أوجهها وما تستغرقه من زمن. على سبيل المثال، يصعب تحديد المدة التي استغرقها الكساد الكبير بدقة، أو كم من الوقت كان سيستمر إذا لم يساعد الاستعداد للحرب على تعزيز الاقتصاد. انهار الاقتصاد الكلي في الكساد نفسه منذ 1929 إلى 1933. وحدث انتعاش تدريجي حتى 1937، حينما بدأ الناتج يتراجع من جديد. إذا عمل اقتصاد الحرب على تغيير مسار الأحداث تماما… وفي أغلب الظن سيحدث هذا في الأزمة الحالية. بمجرد أن تسود معدلات النمو الإيجابية في أعقاب انخفاض الناتج، سيمثل هذا مؤشرا على مرحلة جديدة، ولكنه بالتأكيد ليس حلا للتوترات التي أدت إلى الأزمة. سيكون هناك كثير من الأموار التي مازال هناك ضرورة للقيام بها. هل ستكون معدلات النمو الإيجابية عند المستوى الملائم؟ متى يعالج الخلل في الاقتصاد الأمريكي؟ كيف سيتم سداد ديون الحكومة؟ هل يدعم الدولار الضغوط الدولية؟ وسيكون تأسيس مسار جديد ودائم للأحداث عملية طويلة وشاقة.(8(

وكما قلنا في السابق، ” تشكل الأزمة الاقتصادية الممتدة ضغطًا على البني السياسية البرجوازية، وتكشف عن تصدعاتها”.(9) وهذا على وجه التحديد هو ما أحدثته الثورات العربية. فقد كانت التصدعات اقتصادية وسياسية في آن واحد. وكانت كلٌ من مصر في ظل مبارك وتونس في ظل بن علي ابنًا بارًا لليبرالية الجديدة في المنطقة. ولم يتمكن البنك الدولي، في تقرير تونس ـ الصادر ضمن التقارير الموجزة التي ينشرها البنك عن البلدان ـ من إخفاء حماسه تجاه هذا البلد:

لقد حققت تونس تقدمًا ملحوظا في النمو العادل، من خلال محاربة الفقر وتحقيق مؤشرات اجتماعية جيدة. لقد حافظت على متوسط نمو بمعدل 5% خلال 20 عامًا، مع زيادة مستقرة في دخل الفرد، وزيادة مصاحبة لذلك في الخدمات الاجتماعية المُقدمة للكان، فصار مستوى الفقر بها عند 7%، وهو واحد من أقل مستويات الفقر بالمنطقة.(10(

وبالرغم من أن البنك الدولي بدا أكثر اعتدالاً في مديح نظام مبارك، فإنه ظل معترًفا ” بتحقيقه لمسار راسخ، كأحد أبطال الإصلاح الاقتصادي في الشرق الاوسط وشمال إفريقيا”.(11) وفي الواقع، يحق لمصر إدعاء ريادة الليبرالية الجديدة في جنوب العالم. ففي 1974، أعلن الرئيس أنور السادات سياسة انفتاح الاقتصاد على الاستثمار الاجنبي والتجارة الدولية، وكان هذا علامة على القطع الجذري مع رأسمالية العهد الناصري الموجهة من الدولة.(12) ودفع مبارك تلك السياسة قدمًاً، فأبرم في 1991 اتفاق برنامج الإصلاح الاقتصادي والتكيف الهيكلي مع المؤسسات المالية الدولية. وكان أحد بنوده الرئيسية قانون 96 لسنة 1991، الذي ألغى الحقوق الممنوحة للمستأجرين في ظل الإصلاح الزراعي الذي طبقه الضباط الأحرار عام 1952، وأتاح هذا للملاك القدماء وورثتهم العودة وتجريد أسر الفلاحين من أراضيها. (13)

وبصرف النظر عن حديث نظام مبارك خلال التسعينيات حول أن مصر “نمر على النيل”، إلا أن الاقتصاد المصري والتونسي لم يأتيا “بمعجزة” في ظل الليبرالية الجديدة، وظلا معتمدين بشدة على الحصول على العملات الأجنبية من السياحة وصناعة المنسوجات ـ التي تعاني من ضعف وضعها في مواجهة المنافسة الصينية. وبالرغم من تحقيق هذا النظام بعض النمو، لم يجلب التوجه الليبرالي إلا استقطابًا اقتصاديًا واجتماعيًا شديد الحدة، مما مثَّل ضغوطًا على البنى الكوربوراتية (أي تلك القائمة على إدماج الدولة للمؤسسات) التي أُرسيت في ظل ناصر، ونظيره التونسي الحبيب بورقيبة. وترى آن الكسندر أنه في مصر تحت حكم ناصر:

“قُدم للعمال عقد اجتماعي، في مقابل تنازلهم عن الاستقلال السياسي. ووفقًا لهذا العقد، يصبح بإمكان العمال الحصول على بعض المكاسب، مثل الاستفادة من دعم الإسكان والتعليم والخدمات الاجتماعية الأخرى، والأمان الوظيفي النسبي. كما خلق الخطاب الناصري صورة مثالية للعمال، وخاصة في مرحلته الأخيرة، لمساهمتهم في التنمية الوطنية. ولكن الدولة الناصرية أيضا حطمت منظمات العمال المستقلة، وأسست بدلاً منها اتحادًا رسميًا للنقابات العمالية تحت الإشراف الحكومي.(14)

وتستكمل ألكسندر وجهة نظرها حول الإصلاحات في التسعينيات، بعد القضاء على النظام الناصري، فتقول إنه قد تزايدت مستويات الفقر والظلم الاجتماعي والبطالة. فوفقًا لمنظمة العمل الدولية، عاش 14% من المصريين عام 2010 تحت خط الفقر العالمي ـ دولارين في اليوم.(15) كما قدر أحمد النجار في 2009 أن “العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل كان 7.9 مليون، وأن النسبة الحقيقية للبطالة كانت حينها 26.3%، ووصل البعض إلى أن المعدل في المجموعة العمرية من 19 إلى 29 عامًا يزيد على ثلاثة أضعاف هذا الرقم”.(16) وأشار إلى أن تزايد البطالة، وخاصة بين الشباب، يعد مشكلة إقليمية. بل أنه حتى بحث البنك الدولي المفصل تعارض مع العناوين المتفائلة. واعترف أحد التقارير الصادر في تاريخ مثير للانتباه، 15 يناير 2011, أي اليوم السابق على سقوط بن علي بأنه

“يعتبر معدل البطالة بين الشباب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، البالغ 25%، الأعلى في العالم. ولكن تلك الإحصائيات تُعالج بصورة منعزلة، فلا تدل على الحجم الحقيقي للمشكلة.

وكشف باحثو البنك الدولي أن الرقم الفعلي لمن هم بلا عمل في المرحلة العمرية مابين 15 إلى 29 سنة في المنطقة ربما يرتفع عن ذلك كثيرا. ذلك أن الإحصائيات لا يدخل فيها أشخاص كثيرون، رغم أنهم لا يدرسون ولا يعملون، وذلك لأنهم لم يبحثوا عن عمل.

يعاني الشباب الذكور في الحضر، على نحو خاص، من وضع متردي في سوق العمل، إذ يشتغل كثير من العاطلين منهم في أعمال غير رسمية وغير مسجلة في الدفاتر الحكومية، أو لا يمارسون أن نوع من العمل على الإطلاق.”(17)

ومن ناحية أخرى، كدست طبقة محدودة من ذوي الثراء الفاحش الثروات الضخمة، وتمتعت بنفوذ شديد. إذ كتب جويل بنين عن مصر أن “حاملي حقائب الوزارات الاقتصادية” في حكومة أحمد نظيف، المعين رئيسا للوزراء في 2004، “كانوا من الحاصلين على دكتوراة من الغرب، والتابعين لحاشية جمال مبارك، ابن الرئيس. وعمل هؤلاء على الترويج للموجة الثانية من الخصخصة، ووضع قوانين خاصة بالأجراءات الأخرى لتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، مثل إلغاء التعريفة الجمركية على آلات صناعة المنسوجات وقطع الغيار الخاصة بها”.(18) وقد أجبرت ثورة 25 يناير حتى نيويورك تايمز على الاعتراف بالطبيعة الحقيقية لهذه الليبرالية الجديدة.

“على الورق، حولت التغيرات بالكامل تقريبًا، نظامًا اقتصاديًا تسيطر عليه الدولة إلى آخر محكومًا أغلبه من خلال السوق الحرة. ورغم ذلك، فما ظهر عمليًا ـ وفقًا لآراء الخبراء المصريين والأجانب ـ كان شكلاً من رأسمالية المحسوبية. وعملت البنوك التابعة للدولة وكأنها صانعة أباطرة، فتوسعت في تقديم القروض للعائلات المؤيدة للحكومة، بينما منعت الائتمان عن رجال أعمال قادرين على الاستمرار، ولكنهم ليست لديهم صلات قرابة مع اليمين السياسي.

ووفقا لأحمد النجار، مدير وحدة الدراسات الاقتصادية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، باع مسئوليو الحكومة الأراضي المملوكة للدولة بأسعار منخفضة للعائلات المرتبطة ببعضها سياسيًا. وسمحوا أيضا لتكتلات الشركات الأجنبية بشراء الشركات المملوكة للدولة بمبالغ صغيرة، مقابل دفع رشاوى.

وفي الوقت نفسه، كانت الحكومة تلزم المستثمرين الأجانب بتأسيس مشاريع مشتركة مع الشركات المصرية. وشكلت العائلات ذات الصلات الوثيقة مع الحزب الحاكم النصف المصري من المشاريع المشتركة المربحة.”(19)

وأصبح أحمد عز، اعتمادًا على صداقته لجمال مبارك بشكل خاص، رمزًا لرأسمالية المحسوبية المصرية، فتمكن من شراء شركة الصلب المخصخصة بثمن بخس، وانتهى به الأمر إلى السيطرة على ثلثي سوق الحديد المصري. كما أصبح أيضا عضوًا في البرلمان، وأدار حملة بلطجية الحزب الوطني الديمقراطي لتزوير الانتخابات التشريعية بفجاجة في نوفمبر 2010. وكان الطرابلسية المقابل لعز في تونس، وهم أصهار بن علي الذين استخدموا صلاتهم العائلية في تحقيق ثراء فاحش. ووفقا لمنظمة الشفافية العالمية، سيطر بن علي والطرابلسية فيما بينهم على ما يتراوح من 30% إلى 40% من الاقتصاد التونسي، أو حوالي 10 مليارات دولار. واتُهمت ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس السابق، بالفرار إلى جدة ومعها 1.5 طن من السبائك الذهبية في حقائبها.

وهكذا، لم تعن الليبرالية الجديدة في الشرق الأوسط انفصال السلطة الاقتصادية عن السياسية، كما تتضمن الفكرة المجردة للسوق الحر، بل انصهارهما معا. ولم يعد هناك رأسمالية دولة. فقد سمحت العلاقات السياسية لمن هم في القمة بتكديس ثروة خاصة مهولة. وانعكس ذلك بشكل مباشر في إحساس بالظلم الاقتصادي والاجتماعي تجاه شاغلي قمة النظام، حيث أصبح الفساد الذي عم النخب باديًا للعيان

.

نقلا عن موقع المناضلة