Sunday, December 12, 2010

فى البحث عن طريق آخر



خلال مؤتمر دولى بالقاهرة أثناء عنفوان الأزمة المالية العالمية فى 2008، سئل رئيس الوزراء أحمد نظيف عن أثر الأزمة على نهج الإصلاح الاقتصادى (التحرير الاقتصادى) فى مصر. وكان رد الوزير الأول أن الأزمة ضربت أناسا فى الدور العاشر من بناء التطور الرأسمالى. «وعندما نصل إلى الدور الخامس ولا السادس نبقى نتكلم عن علاقتنا بالأزمة».

خلاصة ما تستنتجه الحكومة وأنصار برنامجها التحريرى هو أنه بالرغم من المنقلب الذى آلت اليه سياسات تسييد الأسواق على الإنتاج والتجارة والخدمات وغيرها فى العالم، فإننا مستمرون فيه، على الأقل من حيث مبادئه الرئيسية.

ولم تقتصر تبعات أزمة 2008 ـ 2009، التى لم يتجاوزها العالم بعد، على القطاع المالى أو قطاع العقارات. فلقد أطلقت حمى من المراجعات ليس فقط للسياسات وإنما للنظريات التى تقف وراءها. وإذا كتبت الأزمة المالية بالإنجليزية على موقع أمازون، أكبر موقع لبيع الكتب على الإنترنت سيفاجئك عدد الكتب التى تتحدث عناوينها عن انهيار فكرة رشاد السوق وما تستتبعه على مستوى السياسة الاقتصادية. المراجعات تمتد من الرقابة على الأسواق ـ مالية وغير مالية ـ إلى دور الدولة إلى وضع البنوك المركزية وسياسات الأجور..الخ. جدل ونقاش يصل إلى العظم.

فلماذا لا يعنينا حجم الفشل على هذا المستوى، كما كان ما يحدث فى العالم والمؤسسات الاقتصادية الدولية هو مرجع أساسى للحكومة بحيث صار «من يعارض توجهاتها أو يقف فى وجهها خارج التاريخ ويدافع عن توجهات تردنا للوراء...الخ»؟

وأحد المزايا التاريخية للرأسمالية يكمن فى قدرتها اللامتناهية على الحركة بسبب سعيها الدائم للأرباح وتنمية الأرباح. وهى ميزة أوجدت وضعيتها الثورية مقارنة بكل النظم التى سادت المجتمعات البشرية قبلها. ويلاحظ مؤرخون ومفكرون غربيون كبار أنه ليس على أى بلد متخلف يضطر إلى السير وراء بلاد متقدمة أن يتبع بالضرورة نظاما متسلسلا يشابه النظام الذى سارت عليه؛ لأن ميزة وضع متخلف تاريخيا ـ وهذا الوضع قائم ـ يسمح لشعب ما، أو يفرض بالأحرى عليه أن يتبنى الأشياء الجاهزة قبل انقضاء الفترات المحددة، وأن يقفز بذلك عددا من المراحل الوسطية.

وتتخلى الشعوب الهمجية عن القوس والسهام لتستخدم البندقية مباشرة دون أن تضطر إلى قطع المسافة التى فصلت من قبل علميا واجتماعيا وسياسيا بين هذين السلاحين. ولم يأخذ الأوروبيون الذين استعمروا أمريكا التاريخ منذ بدايته. وتوصلت ألمانيا والولايات المتحدة، إلى تجاوز إنكلترا اقتصاديا بعد أن عرف تطورهما الرأسمالى تأخرا ملحوظا.

بالتالى فإن منطق الأدوار لا يسرى على نقل الفكر والتكنولوجيا ونظريات إدارة المجتمعات والبشر، وهكذا فإن مسارات من سبقونا مصدرا لا غنى عنه لإرشادنا إلى حاضرنا.

وأمامنا نماذج سبقتنا، بل وبشكل متطرف، فى تبنى ما نتبعه من سياسات تحرير الأسواق، وأعنى بذلك دولا عديدة فى أمريكا اللاتينية. وأجبرت النتائج الاجتماعية الباهظة، والفشل الاقتصادى الفادح، هذه الدول إلى التحول قبل سنوات إلى نموذج آخر أكثر إنسانية وأقل كلفة على الفقراء. وها هى فنزويلا تتصدر الدول المحققة لأهداف الألفية، وهاهى برازيل لولا داسيلفا تكاد تحاصر الفقر، وفى الوقت نفسه تمتلك قولا رنانا فى إدارة مقاليد التجارة العالمية.

وإذا انتقلنا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تقابلنا نماذج أخرى، قامت على النمو الاقتصادى، كما يقوم منهج حكومتنا. لكنه على الأقل نمو اقتصادى بلمسة إنسانية لا ينفصم عن التعليم والصحة وعن دور قيادى لدولة كفئة.

الأساطير التى تقدمها لنا سياستنا الاقتصادية على أنها حقائق مطلقة ومرجعية شاملة لا يجوز الطعن فيها صارت الآن كالنبال فى مواجهة البنادق. والمشكلة أن هناك من يسهر على استمرارها بل وتوسيعها لأقصى مدى ممكن حتى وإن عارضت كل منطق. ببساطة لأنها تخدم قاعدة مصالح لا ترغب فى التنازل عن موقعها.

لقد أوجدت تطورات الاقتصاد المصرى فى الست سنوات الماضية قوة سياسية اقتصادية واجتماعية جبارة ومسيطرة. وكما تخبرنا دراسة لمنتدى الدراسات الاقتصادية بعنوان «الاقتصاد السياسى للنمو الاقتصادى فى مصر»، فإن معدلات نمو بعض القطاعات الاقتصادية ارتبطت بشكل مباشر بالعلاقات الشخصية التى تربط شركاتها واصحابها بالسياسيين فى مجلس الوزراء وغيره. ومع بزوغ شمس الشركات الكبرى بلا أحزاب فاعلة، ولا حركات للمستهلكين، ولا انتخابات حرة، تحولت إلى مركز ثقل هائل فى النظام السياسى.

وهكذا فإن تبنى سياسات لمكافحة الفقر مثلا لا تتفق مع سياسات السوق، لم يعد أمرا متعلقا بالسياسة الاقتصادية يتجادل بشأنه الخبراء والمتخصصون إلى هذا الحد أو ذاك. وإنما هو شأن سياسى جوهرى، يحسمه توازن القوى الاجتماعية والسياسية ومصالح المسيطرين منها.

البحث عن طريق آخر لاقتصاد مصر هو إذن أمر غير ممكن إلا عبر السياسة. والاختيار بين البدائل المختلفة التى يطرحها تطور البشر وما آل إليه تطور الرأسمالية، لن يتأتى إلا بنظام يعطى أغلبية المنتجين، أغلبية المصريين، القوة والحق فى إدارة دفة أمورهم لتحقيق مصالحهم. طريق الاقتصاد الآخر الذى يصل بنا جميعا للدور المائة فى بناء التقدم، يتفرع من درب الديمقراطية، الذى يبدأ بالانتخابات الحرة حقا.


3 comments:

Unknown said...

اشكرك يا اخى الغالى على هذه التدوينة الرائعة وتمنياتى لك بالمزيد من النجاح والابداع

حسن ارابيسك said...

اذيك يادرش عاش من سمع صوتك انت فين وايه اللي بيحصل لتدويناتك ده هما وصلولك ولا ايه
تحياتي

مصطفى محمود said...

click 2007/

سعيد بزيارتك واتمنى متابعتك دايما

اراببسك/

والله واحشنى جدا بس انت عارف بقى ضغط الشغل مخلينى ناسى المدونة خالص