خلال مؤتمر دولى بالقاهرة أثناء عنفوان الأزمة المالية العالمية فى 2008، سئل رئيس الوزراء أحمد نظيف عن أثر الأزمة على نهج الإصلاح الاقتصادى (التحرير الاقتصادى) فى مصر. وكان رد الوزير الأول أن الأزمة ضربت أناسا فى الدور العاشر من بناء التطور الرأسمالى. «وعندما نصل إلى الدور الخامس ولا السادس نبقى نتكلم عن علاقتنا بالأزمة».
خلاصة ما تستنتجه الحكومة وأنصار برنامجها التحريرى هو أنه بالرغم من المنقلب الذى آلت اليه سياسات تسييد الأسواق على الإنتاج والتجارة والخدمات وغيرها فى العالم، فإننا مستمرون فيه، على الأقل من حيث مبادئه الرئيسية.
ولم تقتصر تبعات أزمة 2008 ـ 2009، التى لم يتجاوزها العالم بعد، على القطاع المالى أو قطاع العقارات. فلقد أطلقت حمى من المراجعات ليس فقط للسياسات وإنما للنظريات التى تقف وراءها. وإذا كتبت الأزمة المالية بالإنجليزية على موقع أمازون، أكبر موقع لبيع الكتب على الإنترنت سيفاجئك عدد الكتب التى تتحدث عناوينها عن انهيار فكرة رشاد السوق وما تستتبعه على مستوى السياسة الاقتصادية. المراجعات تمتد من الرقابة على الأسواق ـ مالية وغير مالية ـ إلى دور الدولة إلى وضع البنوك المركزية وسياسات الأجور..الخ. جدل ونقاش يصل إلى العظم.
فلماذا لا يعنينا حجم الفشل على هذا المستوى، كما كان ما يحدث فى العالم والمؤسسات الاقتصادية الدولية هو مرجع أساسى للحكومة بحيث صار «من يعارض توجهاتها أو يقف فى وجهها خارج التاريخ ويدافع عن توجهات تردنا للوراء...الخ»؟
وأحد المزايا التاريخية للرأسمالية يكمن فى قدرتها اللامتناهية على الحركة بسبب سعيها الدائم للأرباح وتنمية الأرباح. وهى ميزة أوجدت وضعيتها الثورية مقارنة بكل النظم التى سادت المجتمعات البشرية قبلها. ويلاحظ مؤرخون ومفكرون غربيون كبار أنه ليس على أى بلد متخلف يضطر إلى السير وراء بلاد متقدمة أن يتبع بالضرورة نظاما متسلسلا يشابه النظام الذى سارت عليه؛ لأن ميزة وضع متخلف تاريخيا ـ وهذا الوضع قائم ـ يسمح لشعب ما، أو يفرض بالأحرى عليه أن يتبنى الأشياء الجاهزة قبل انقضاء الفترات المحددة، وأن يقفز بذلك عددا من المراحل الوسطية.
وتتخلى الشعوب الهمجية عن القوس والسهام لتستخدم البندقية مباشرة دون أن تضطر إلى قطع المسافة التى فصلت من قبل علميا واجتماعيا وسياسيا بين هذين السلاحين. ولم يأخذ الأوروبيون الذين استعمروا أمريكا التاريخ منذ بدايته. وتوصلت ألمانيا والولايات المتحدة، إلى تجاوز إنكلترا اقتصاديا بعد أن عرف تطورهما الرأسمالى تأخرا ملحوظا.
بالتالى فإن منطق الأدوار لا يسرى على نقل الفكر والتكنولوجيا ونظريات إدارة المجتمعات والبشر، وهكذا فإن مسارات من سبقونا مصدرا لا غنى عنه لإرشادنا إلى حاضرنا.
وأمامنا نماذج سبقتنا، بل وبشكل متطرف، فى تبنى ما نتبعه من سياسات تحرير الأسواق، وأعنى بذلك دولا عديدة فى أمريكا اللاتينية. وأجبرت النتائج الاجتماعية الباهظة، والفشل الاقتصادى الفادح، هذه الدول إلى التحول قبل سنوات إلى نموذج آخر أكثر إنسانية وأقل كلفة على الفقراء. وها هى فنزويلا تتصدر الدول المحققة لأهداف الألفية، وهاهى برازيل لولا داسيلفا تكاد تحاصر الفقر، وفى الوقت نفسه تمتلك قولا رنانا فى إدارة مقاليد التجارة العالمية.
وإذا انتقلنا إلى الجانب الآخر من الكرة الأرضية، تقابلنا نماذج أخرى، قامت على النمو الاقتصادى، كما يقوم منهج حكومتنا. لكنه على الأقل نمو اقتصادى بلمسة إنسانية لا ينفصم عن التعليم والصحة وعن دور قيادى لدولة كفئة.
الأساطير التى تقدمها لنا سياستنا الاقتصادية على أنها حقائق مطلقة ومرجعية شاملة لا يجوز الطعن فيها صارت الآن كالنبال فى مواجهة البنادق. والمشكلة أن هناك من يسهر على استمرارها بل وتوسيعها لأقصى مدى ممكن حتى وإن عارضت كل منطق. ببساطة لأنها تخدم قاعدة مصالح لا ترغب فى التنازل عن موقعها.
لقد أوجدت تطورات الاقتصاد المصرى فى الست سنوات الماضية قوة سياسية اقتصادية واجتماعية جبارة ومسيطرة. وكما تخبرنا دراسة لمنتدى الدراسات الاقتصادية بعنوان «الاقتصاد السياسى للنمو الاقتصادى فى مصر»، فإن معدلات نمو بعض القطاعات الاقتصادية ارتبطت بشكل مباشر بالعلاقات الشخصية التى تربط شركاتها واصحابها بالسياسيين فى مجلس الوزراء وغيره. ومع بزوغ شمس الشركات الكبرى بلا أحزاب فاعلة، ولا حركات للمستهلكين، ولا انتخابات حرة، تحولت إلى مركز ثقل هائل فى النظام السياسى.
وهكذا فإن تبنى سياسات لمكافحة الفقر مثلا لا تتفق مع سياسات السوق، لم يعد أمرا متعلقا بالسياسة الاقتصادية يتجادل بشأنه الخبراء والمتخصصون إلى هذا الحد أو ذاك. وإنما هو شأن سياسى جوهرى، يحسمه توازن القوى الاجتماعية والسياسية ومصالح المسيطرين منها.
البحث عن طريق آخر لاقتصاد مصر هو إذن أمر غير ممكن إلا عبر السياسة. والاختيار بين البدائل المختلفة التى يطرحها تطور البشر وما آل إليه تطور الرأسمالية، لن يتأتى إلا بنظام يعطى أغلبية المنتجين، أغلبية المصريين، القوة والحق فى إدارة دفة أمورهم لتحقيق مصالحهم. طريق الاقتصاد الآخر الذى يصل بنا جميعا للدور المائة فى بناء التقدم، يتفرع من درب الديمقراطية، الذى يبدأ بالانتخابات الحرة حقا.
Sunday, December 12, 2010
فى البحث عن طريق آخر
Friday, December 10, 2010
الأساطير المؤسسة للسياسة الاقتصادية فى عصر نظيف 5
لخصخصة والهوس بشكل الملكية فى الاقتصاد
فى تقديمه للجلسة الافتتاحية لمؤتمر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية قبل أسبوع تحت عنوان «القطاع الخاص ودوره فى التنمية»، قال طاهر حلمى، رجل الأعمال والرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، إن الخصخصة لم تتوقف فى مصر لأنها فشلت بل لأسباب سياسية ترجع لعدم شعبيتها، محملا الحكومة المسئولية الإعلامية عن عدم شرح كفاءة البرنامج ومدى نجاحه.
ولا يستطيع أحد التشكيك فى مدى إيمان حكومة أحمد نظيف بالخصخصة. ولا ينسى أحد رد وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين على من عارضوا بيع بعض المصانع معتبرين إياها «صروحا تاريخية» بالقول إنه «لا صروح تاريخية سوى الهرم وقناة السويس».
قام هذا على قناعة بأن الخصخصة تحسن مؤشرات الأداء المالى والاقتصادى للشركات بزيادة استثماراتها وفى نفس الوقت تقليل تكلفة رأس المال.
كما أن هذا المنطق يعدنا بأن الخصخصة لها تأثير إيجابى أيضا على الاقتصاد عموما. فهى «تعزز مناخ المنافسة وتخفض حجم وعبء القطاع العام وتجذب الاستثمار الأجنبى المباشر». وفى صلب الفكرتين الاقتناع ــ شبه دينى فى بعض الحالات ــ بأن ملكية القطاع الخاص للمصانع والأصول المنتجة والخدمية يعنى ارتفاع كفاءتها.
على هذا الأساس قادت الحكومة بين 2004 و2009 موجة هائلة للخصخصة بلغت ذروتها من حيث عدد عمليات البيع فى العام المالى 2005/06 بحوالى 65 عملية تجاوزت حصيلتها 15 مليار جنيه (بحسب دراسة للباحث طارق الغمراوى من المركز المصرى). بينما كانت أعلى ذرى الخصخصة فيما قبل سنوات حكم نظيف عام 1999/2000 بأربعين عملية بقيمة حوالى 9 مليارات.
لكن الغمراوى يرصد فى دراسته أن نسبة مجمل حصيلة الخصخصة منذ عام 1994 إلى 2008 لم تتجاوز 0.86% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويبنى أنصار الخصخصة على ذلك استنتاجا بأنها لم تحدث تقريبا فى مصر، داعين لإحيائها ليس فقط فى الإنتاج والصناعة بل فى البنية الأساسية والخدمات. لكن عديدا من مؤشرات الخصخصة التى تمت، تلقى بكثير من الشك حول علاقة شكل الملكية (خاص أم عام أم تعاونى)، بالكفاءة الاقتصادية.
أول هذه المؤشرات هو حال ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام. فقد تخلصت هذه الشركات المتبقية من كل ديونها من خلال برنامج مكثف قامت به وزارة الاستثمار لتتم تسوية المديونيات المتعثرة للبنوك من إجمالى 32 مليار جنيه لتصل إلى الصفر.
بينما تحولت المحفظة (147 شركة حاليا) من خسائر قدرها مليار و279 مليون جنيه إلى تحقيق صافى أرباح يبلغ 4.6 مليار جنيه طبقا للنتائج المبدئية للعام المالى 2009/2010 بإيراد نشاط جارى 63.8 مليار جنيه.
أما على صعيد أوضاع العاملين، فقد زادت متوسطات الأجور فى شركات قطاع الأعمال العام منذ يوليو 2004 وحتى يونيو 2010 بنسبة تربو على 100%، بحسب أرقام وزارة الاستثمار.
إذن ما تبقى فى عهدة الدولة ليس كله خسران، إذا قامت بعمليات الاستثمار المطلوبة وإعادة الهيكلة وفرضت درجة من الشفافية والمحاسبة على إدارات الشركات.
وإذا نظرنا إلى شركات عامة مدرجة فى البورصة بعد خصخصة حصص أقلية فيها نجد مجموعة من الشركات الناجحة كالشرقية للدخان ومصر للألومنيوم والقومية للأسمنت.. وغيرها. فمن مزايا الإدراج بالبورصة الافصاح للمجتمع عن أداء الشركة ومؤشراتها.
فماذا عن الشركات التى تم بيع حصص السيطرة فيها للقطاع الخاص؟ تقول دراسات المركز المصرى إنه لم يختلف أداؤها كثيرا قبل وبعد الخصخصة خاصة فيما يتعلق بأهم عناصر تطوير الأداء الاقتصادى الذى قيل إن الدولة غير قادرة عليه لضعف المهارة وغياب الحافز ونقص الموارد: ضخ استثمارات جديدة وتطوير الأداء.
والحقيقة أن هذا يستقيم مع أغلب التجارب الدولية المماثلة، وعلى رأسها المملكة المتحدة. فتحسن الأداء ينبع فى الأساس مما قامت به الدولة أيضا مما يسمى بإعادة الهيكلة. وفى أحيان كثيرة احتفظ القطاع الخاص بنفس الإدارة (بنك الإسكندرية مثال على ذلك).
وبينما ترفض دراسة المركز المصرى طرح حصص الأقلية فى البورصة أو لاتحادات العاملين على أساس أنهما «لا يتضمنان هدف تحقيق الكفاءة الإنتاجية لأنهما لا يشملان نقل الملكية لمستثمرى القطاع الخاص»، فسر محمود محيى الدين، وهو من أطلقت عليه المعارضة وزير الخصخصة، فى حواره مع الأهرام قبل رحيله إلى واشنطن وقف بيع شركات قطاع الأعمال لمستثمر رئيسى، بأن «تجربتنا مع المستثمر الرئيسى تقول إنه حتى إذا كانت الشركة التى آلت إليه تدر أرباحا وعائدا طيبا، فإنه يحرص على زيادة أرباحه من المنشأة سواء عن طريق تقليص حجم العمالة إلى الحد الأدنى، أو وقف بعض خطوط الإنتاج أو التركيز على إنتاج أصناف تدر ربحا أكبر، وكثيرا ما تؤدى هذه السياسات إلى قلق وتوتر اجتماعى داخل المنشأة.»
ثم إن إحدى قواعد تطور الرأسمالية فى الدنيا خلال العقود الماضية هو فصل الملكية عن الإدارة. والسيد نجيب ساويرس مثلا لا يدير العمل اليومى لشركاته بنفسه، وإنما يعين مديرين قادرين، ثم يحاسبهم على أدائهم من خلال الأرباح التى تدخل جيبه. فماذا لو فعلت الدولة «الديمقراطية» أو تعاونية من المنتجين ذلك؟ ما علاقة اسم المالك هنا بكفاءة الاداء الاقتصادى؟
فما السر إذن فى هذا التركيز على شكل الملكية عوضا عن كفاءة الاقتصاد؟ وما السبب فى إصرار القطاع الخاص المصرى على شراء الأصول العامة بدلا من ضخ استثمارات جديدة وتوظيف عمال جدد؟ لماذا لا يتحمل «رواد الأعمال المصريون» المخاطر كما ينص كتاب الرأسمالية فى فصله الأول؟ أليس ملعب الاستثمار مفتوحا بنفس معدل الضرائب ومستويات الأجور ونفس مناخ الاستثمار وقوانينه؟
السبب هو ما توفره الخصخصة من هوامش أرباح جاهزة لصاحب النصيب من المستثمرين وبدون أى مجهود. إذ أن الدولة لا تبيع الأصول الخاسرة أو المتعثرة إلا بعد ترتيب أوضاعها المالية وتحسين إنتاجيتها وتصفية «عمالتها الزائدة» إلى آخره.
حقيقة هذا الهوس بشكل الملكية ليست إلا النهم لنقل الثروة والسلطة فى المجتمع، الذى تنجزه الخصخصة بأشكالها المختلفة، وعلى رأسها تخصيص الأراضى، إلى حفنة من المستثمرين المنتقين. ليس أكثر.
فى تقديمه للجلسة الافتتاحية لمؤتمر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية قبل أسبوع تحت عنوان «القطاع الخاص ودوره فى التنمية»، قال طاهر حلمى، رجل الأعمال والرئيس السابق لغرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، إن الخصخصة لم تتوقف فى مصر لأنها فشلت بل لأسباب سياسية ترجع لعدم شعبيتها، محملا الحكومة المسئولية الإعلامية عن عدم شرح كفاءة البرنامج ومدى نجاحه.
ولا يستطيع أحد التشكيك فى مدى إيمان حكومة أحمد نظيف بالخصخصة. ولا ينسى أحد رد وزير الاستثمار السابق محمود محيى الدين على من عارضوا بيع بعض المصانع معتبرين إياها «صروحا تاريخية» بالقول إنه «لا صروح تاريخية سوى الهرم وقناة السويس».
قام هذا على قناعة بأن الخصخصة تحسن مؤشرات الأداء المالى والاقتصادى للشركات بزيادة استثماراتها وفى نفس الوقت تقليل تكلفة رأس المال.
كما أن هذا المنطق يعدنا بأن الخصخصة لها تأثير إيجابى أيضا على الاقتصاد عموما. فهى «تعزز مناخ المنافسة وتخفض حجم وعبء القطاع العام وتجذب الاستثمار الأجنبى المباشر». وفى صلب الفكرتين الاقتناع ــ شبه دينى فى بعض الحالات ــ بأن ملكية القطاع الخاص للمصانع والأصول المنتجة والخدمية يعنى ارتفاع كفاءتها.
على هذا الأساس قادت الحكومة بين 2004 و2009 موجة هائلة للخصخصة بلغت ذروتها من حيث عدد عمليات البيع فى العام المالى 2005/06 بحوالى 65 عملية تجاوزت حصيلتها 15 مليار جنيه (بحسب دراسة للباحث طارق الغمراوى من المركز المصرى). بينما كانت أعلى ذرى الخصخصة فيما قبل سنوات حكم نظيف عام 1999/2000 بأربعين عملية بقيمة حوالى 9 مليارات.
لكن الغمراوى يرصد فى دراسته أن نسبة مجمل حصيلة الخصخصة منذ عام 1994 إلى 2008 لم تتجاوز 0.86% من الناتج المحلى الإجمالى.
ويبنى أنصار الخصخصة على ذلك استنتاجا بأنها لم تحدث تقريبا فى مصر، داعين لإحيائها ليس فقط فى الإنتاج والصناعة بل فى البنية الأساسية والخدمات. لكن عديدا من مؤشرات الخصخصة التى تمت، تلقى بكثير من الشك حول علاقة شكل الملكية (خاص أم عام أم تعاونى)، بالكفاءة الاقتصادية.
أول هذه المؤشرات هو حال ما تبقى من شركات قطاع الأعمال العام. فقد تخلصت هذه الشركات المتبقية من كل ديونها من خلال برنامج مكثف قامت به وزارة الاستثمار لتتم تسوية المديونيات المتعثرة للبنوك من إجمالى 32 مليار جنيه لتصل إلى الصفر.
بينما تحولت المحفظة (147 شركة حاليا) من خسائر قدرها مليار و279 مليون جنيه إلى تحقيق صافى أرباح يبلغ 4.6 مليار جنيه طبقا للنتائج المبدئية للعام المالى 2009/2010 بإيراد نشاط جارى 63.8 مليار جنيه.
أما على صعيد أوضاع العاملين، فقد زادت متوسطات الأجور فى شركات قطاع الأعمال العام منذ يوليو 2004 وحتى يونيو 2010 بنسبة تربو على 100%، بحسب أرقام وزارة الاستثمار.
إذن ما تبقى فى عهدة الدولة ليس كله خسران، إذا قامت بعمليات الاستثمار المطلوبة وإعادة الهيكلة وفرضت درجة من الشفافية والمحاسبة على إدارات الشركات.
وإذا نظرنا إلى شركات عامة مدرجة فى البورصة بعد خصخصة حصص أقلية فيها نجد مجموعة من الشركات الناجحة كالشرقية للدخان ومصر للألومنيوم والقومية للأسمنت.. وغيرها. فمن مزايا الإدراج بالبورصة الافصاح للمجتمع عن أداء الشركة ومؤشراتها.
فماذا عن الشركات التى تم بيع حصص السيطرة فيها للقطاع الخاص؟ تقول دراسات المركز المصرى إنه لم يختلف أداؤها كثيرا قبل وبعد الخصخصة خاصة فيما يتعلق بأهم عناصر تطوير الأداء الاقتصادى الذى قيل إن الدولة غير قادرة عليه لضعف المهارة وغياب الحافز ونقص الموارد: ضخ استثمارات جديدة وتطوير الأداء.
والحقيقة أن هذا يستقيم مع أغلب التجارب الدولية المماثلة، وعلى رأسها المملكة المتحدة. فتحسن الأداء ينبع فى الأساس مما قامت به الدولة أيضا مما يسمى بإعادة الهيكلة. وفى أحيان كثيرة احتفظ القطاع الخاص بنفس الإدارة (بنك الإسكندرية مثال على ذلك).
وبينما ترفض دراسة المركز المصرى طرح حصص الأقلية فى البورصة أو لاتحادات العاملين على أساس أنهما «لا يتضمنان هدف تحقيق الكفاءة الإنتاجية لأنهما لا يشملان نقل الملكية لمستثمرى القطاع الخاص»، فسر محمود محيى الدين، وهو من أطلقت عليه المعارضة وزير الخصخصة، فى حواره مع الأهرام قبل رحيله إلى واشنطن وقف بيع شركات قطاع الأعمال لمستثمر رئيسى، بأن «تجربتنا مع المستثمر الرئيسى تقول إنه حتى إذا كانت الشركة التى آلت إليه تدر أرباحا وعائدا طيبا، فإنه يحرص على زيادة أرباحه من المنشأة سواء عن طريق تقليص حجم العمالة إلى الحد الأدنى، أو وقف بعض خطوط الإنتاج أو التركيز على إنتاج أصناف تدر ربحا أكبر، وكثيرا ما تؤدى هذه السياسات إلى قلق وتوتر اجتماعى داخل المنشأة.»
ثم إن إحدى قواعد تطور الرأسمالية فى الدنيا خلال العقود الماضية هو فصل الملكية عن الإدارة. والسيد نجيب ساويرس مثلا لا يدير العمل اليومى لشركاته بنفسه، وإنما يعين مديرين قادرين، ثم يحاسبهم على أدائهم من خلال الأرباح التى تدخل جيبه. فماذا لو فعلت الدولة «الديمقراطية» أو تعاونية من المنتجين ذلك؟ ما علاقة اسم المالك هنا بكفاءة الاداء الاقتصادى؟
فما السر إذن فى هذا التركيز على شكل الملكية عوضا عن كفاءة الاقتصاد؟ وما السبب فى إصرار القطاع الخاص المصرى على شراء الأصول العامة بدلا من ضخ استثمارات جديدة وتوظيف عمال جدد؟ لماذا لا يتحمل «رواد الأعمال المصريون» المخاطر كما ينص كتاب الرأسمالية فى فصله الأول؟ أليس ملعب الاستثمار مفتوحا بنفس معدل الضرائب ومستويات الأجور ونفس مناخ الاستثمار وقوانينه؟
السبب هو ما توفره الخصخصة من هوامش أرباح جاهزة لصاحب النصيب من المستثمرين وبدون أى مجهود. إذ أن الدولة لا تبيع الأصول الخاسرة أو المتعثرة إلا بعد ترتيب أوضاعها المالية وتحسين إنتاجيتها وتصفية «عمالتها الزائدة» إلى آخره.
حقيقة هذا الهوس بشكل الملكية ليست إلا النهم لنقل الثروة والسلطة فى المجتمع، الذى تنجزه الخصخصة بأشكالها المختلفة، وعلى رأسها تخصيص الأراضى، إلى حفنة من المستثمرين المنتقين. ليس أكثر.
Monday, December 6, 2010
الأساطير المؤسسة للسياسة الاقتصادية فى عصر نظيف 4
وأما الأسعار فيحددها السوق
من الطماطم إلى السكن، اللحوم والتعليم، الأحذية والمواصلات. ليس هناك سلعة فى مصر لم تشهد طفرات فى أسعارها فى لحظة ما خلال السنوات الماضية. ولا يمكن أن نقرن بشكل كامل بين ارتفاع الأسعار وبين حكومة نظيف، التى جاءت للحكم فى منتصف 2004.
فقد سبقتها موجات هائلة من الطفرات السعرية، كان أبرزها ما حدث وقت حكومة عاطف عبيد بعد تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار فى 2003. لكن الأكيد أن الإجراءات الأوسع نطاقا لتحرير الأسعار وفقا للسوق تمت فى عصر الحكومة الحالية، التى شنت الحرب الأكثر ضرواة واتساعا على ما أسمته الأسعار الإدارية، التى تحددها الحكومة بغض النظر عن السوق.
موقف الحكومة الذى يعلى سعر السوق مبنى على تجربة مريرة للمصريين مع الأسواق السوداء التى خلقت سعرين لأغلب السلع (ومنها الدولار نفسه) مما منح البعض أرباحا هائلة على حساب المستهلكين، وخلق تشوهات سعرية مؤذية لفروع الإنتاج.
وهكذا جاءت الحكومة لتقود أكبر عملية لتحرير الأسعار بحسب السوق، كان أبرز ملامحها فى الزراعة مثلا أن صار تسعير المحاصيل، الذى ينعكس على العديد من السلع الغذائية، يتم وفقا لأسواقها العالمية. هذا هو السعر السليم والكفء اقتصاديا للسلع، بحسب ما أكدته حكومة نظيف.
وتقوم نظرية السوق الكفئة، وهى نظرية مرتبطة بسياسات الليبرالية الجديدة وتحرير الأسواق فى العالم كله، على أن سعر السوق لأى سلعة هو السعر الصحيح لها. وعندما يرغب الناس فى شراء المزيد من التليفزيونات مثلا، ترتفع أسعارها. لكن المنتجين يزيدون الإنتاج فيزيد المعروض فتعود الأسعار للانخفاض عند نقطة توازن جديدة.
وطبقا لهذه النظرية تتحرك الأسعار لأعلى وأسفل لتحافظ على العلاقة بين العرض والطلب فى توازن تام. ويدعى أصحاب هذه النظرية ليس فقط أن هذا الوضع يكفل استقرار الأسواق، لكن أيضا أنه يكفل أفضل ترتيب للأسعار، مما يؤدى للتخصيص المثالى للموارد فى المجتمع.
ولا نحتاج هنا لا لدليل نظرى ولا سياسى ولا عملى لنؤكد أن السوق الكفئة بهذا المعنى غير موجودة فى مصر. إذ أن السوق أبعد ما تكون عن التوازن. وأزمات الأسعار تتلاحق واحدة تلو الأخرى، لتصبح، فى أحيان كثيرة بندا على جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء، بل واجتماعات رئاسية كما حدثت فى أزمة الطماطم واللحوم الأخيرة.
لماذا لم تعمل السوق فى مصر كما تعدنا الحكومة ونظريتها فى كفاءة التسعير؟ الرد الرسمى هو عادة واحد من اثنين، لا ثالث لهما: الأسعار العالمية أو جشع التجار. والمبرران فيهما بعض الصحة. فارتفاعات الأسعار العالمية للمحاصيل الزراعية عام 2008 بسبب المضاربة واستخدامها فى الوقود الحيوى، ساهم بالفعل (إلى جانب رفع الحكومة أسعار الوقود فى مايو 2008) فى صدمة تضخمية وموجة ارتفاع هائلة فى الأسعار فى السوق المحلية. ولا يمكن إنكار أن بعض التجار الكبار يستغلون الموقف لرفع الأسعار بطريقة غير مبررة خالقين لأنفسهم هوامش ربح كبيرة.
لكن النظرية تقول إن السوق ببعض العون الرقابى من الدولة تعالج هذه الأوضاع: بزيادة الإنتاج المحلى من السلع التى ترتفع أسعارها، فيعود التوازن إليها، أو بالمنافسة من تجار آخرين يرغبون فى مساحة أكبر من السوق فيخفضون الأسعار فيجبرون «الجشعين» على ذلك. وذلك لا يحدث بالتأكيد. بل إن نفس السلع عندما تعاود الانخفاض فى السوق المحلية (الحديد مثل على هذا)، لا تنخفض فى مصر، وإن انخفضت، فى أحيان نادرة، فليس بنفس سرعة الارتفاع ولا بدرجته. ما معنى ذلك؟
قبل سنتين أو ربما أكثر، جمعت إحدى الندوات بين مجموعة من الصحفيين وبين المحافظ السابق للبنك المركزى إسماعيل حسن فى العين السخنة. وكان يتحدث فى محاضرة تعليمية عن السياسة النقدية (كيف يتدخل البنك المركزى فى الأسواق عبر سعر الفائدة للإبقاء على التضخم فى حدود آمنة والحفاظ على توازن السوق وسعر الصرف). وقال المحافظ لنا بشكل قاطع ما لن أنساه، وما أعتقد فى صحته تماما: لا يمكن للسياسة النقدية أن تؤتى مفعولها فى مصر لأن السوق ليست تنافسية وليست كفئة.
فى العديد من القطاعات الإنتاجية، وفى تجارة المحاصيل، وفى الاستيراد، هناك مراكز احتكارية معتبرة، تحصد ثمار الارتفاعات العالمية وتمتلك منع انخفاض الأسعار إذا انخفضت عالميا أو لوفرة الإنتاج المحلى. وهذا هو نفس السبب الذى ُيمكِّن بعض التجار من رفع الأسعار إذا أرادوا فى السلع التى يحتكرونها.
أما السبب الثانى فهو الفشل الإنتاجى المصرى بالعجز عن الاستجابة لتطورات السوق العالمية. فبرغم كل شيء مازلنا نستورد أغلب غذائنا، ولم يظهر نهم المنتجين لتغطية حاجة الأسواق المحلية مدفوعين بارتفاعات الأسعار. وهذا هو السبب فيما تقوله دراسة للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى مايو 2010 من أن تغير أسعار السلع عالميا يفسر 43% من تغيرات مؤشر اسعار المستهلكين فى مصر.
وتنقل الدراسة عن البنك الدولى تقديره بأن معدل تمرير أسعار الغذاء العالمية للمصريين يصل إلى ما بين 61% و81%، وهو «معدل يفوق الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء». ومن نافل القول هنا إن الأكثر تأثرا بهذه الموجات من ارتفاعات الأسعار هم الأفقر والأقل دخلا.
ورغم أن الحالة المصرية متطرفة فى كشف فشل السوق فى تحقيق التسعير الكفء للسلع، فإن الفشل ليس محليا. «يجب أن نكون واضحين بهذا الشأن. لم تقدم النظرية الاقتصادية أبدا دليلا على هذه الآراء الخاصة بحرية السوق.
وقوضت نظريات المعلومات غير التامة وغير المتسقة فى الأسواق كل مذاهب السوق الكفئة، حتى من قبل أن تصبح الأخيرة موضة فى عهد ريجان-تاتشر»، هكذا يقول الاقتصادى الأمريكى الحاصل على جازة نوبل جوزيف ستيجليتز فى مقال نشره فى لندن ريفيو أوف بوكس فى أبريل الماضى.
ويبنى ستيجليتز على ما كشفته الأزمة العالمية من فقاعات سعرية فى الأصول المالية والعقارية ليقول إن «اليد الخفية»، التى يعتمد عليها السوق فى تحديد الأسعار هى «يد غير موجودة أصلا». أما اليد التى نعلم يقينا بوجودها فى أسواقنا، فهى يد المحتكرين. وهى يد لن ينحيها عن مصائر عيشنا إلا يد أقوى منها تجبرها على ذلك: يد المستهلكين والدولة التى تمثلهم.
من الطماطم إلى السكن، اللحوم والتعليم، الأحذية والمواصلات. ليس هناك سلعة فى مصر لم تشهد طفرات فى أسعارها فى لحظة ما خلال السنوات الماضية. ولا يمكن أن نقرن بشكل كامل بين ارتفاع الأسعار وبين حكومة نظيف، التى جاءت للحكم فى منتصف 2004.
فقد سبقتها موجات هائلة من الطفرات السعرية، كان أبرزها ما حدث وقت حكومة عاطف عبيد بعد تحرير سعر الجنيه مقابل الدولار فى 2003. لكن الأكيد أن الإجراءات الأوسع نطاقا لتحرير الأسعار وفقا للسوق تمت فى عصر الحكومة الحالية، التى شنت الحرب الأكثر ضرواة واتساعا على ما أسمته الأسعار الإدارية، التى تحددها الحكومة بغض النظر عن السوق.
موقف الحكومة الذى يعلى سعر السوق مبنى على تجربة مريرة للمصريين مع الأسواق السوداء التى خلقت سعرين لأغلب السلع (ومنها الدولار نفسه) مما منح البعض أرباحا هائلة على حساب المستهلكين، وخلق تشوهات سعرية مؤذية لفروع الإنتاج.
وهكذا جاءت الحكومة لتقود أكبر عملية لتحرير الأسعار بحسب السوق، كان أبرز ملامحها فى الزراعة مثلا أن صار تسعير المحاصيل، الذى ينعكس على العديد من السلع الغذائية، يتم وفقا لأسواقها العالمية. هذا هو السعر السليم والكفء اقتصاديا للسلع، بحسب ما أكدته حكومة نظيف.
وتقوم نظرية السوق الكفئة، وهى نظرية مرتبطة بسياسات الليبرالية الجديدة وتحرير الأسواق فى العالم كله، على أن سعر السوق لأى سلعة هو السعر الصحيح لها. وعندما يرغب الناس فى شراء المزيد من التليفزيونات مثلا، ترتفع أسعارها. لكن المنتجين يزيدون الإنتاج فيزيد المعروض فتعود الأسعار للانخفاض عند نقطة توازن جديدة.
وطبقا لهذه النظرية تتحرك الأسعار لأعلى وأسفل لتحافظ على العلاقة بين العرض والطلب فى توازن تام. ويدعى أصحاب هذه النظرية ليس فقط أن هذا الوضع يكفل استقرار الأسواق، لكن أيضا أنه يكفل أفضل ترتيب للأسعار، مما يؤدى للتخصيص المثالى للموارد فى المجتمع.
ولا نحتاج هنا لا لدليل نظرى ولا سياسى ولا عملى لنؤكد أن السوق الكفئة بهذا المعنى غير موجودة فى مصر. إذ أن السوق أبعد ما تكون عن التوازن. وأزمات الأسعار تتلاحق واحدة تلو الأخرى، لتصبح، فى أحيان كثيرة بندا على جدول أعمال اجتماعات مجلس الوزراء، بل واجتماعات رئاسية كما حدثت فى أزمة الطماطم واللحوم الأخيرة.
لماذا لم تعمل السوق فى مصر كما تعدنا الحكومة ونظريتها فى كفاءة التسعير؟ الرد الرسمى هو عادة واحد من اثنين، لا ثالث لهما: الأسعار العالمية أو جشع التجار. والمبرران فيهما بعض الصحة. فارتفاعات الأسعار العالمية للمحاصيل الزراعية عام 2008 بسبب المضاربة واستخدامها فى الوقود الحيوى، ساهم بالفعل (إلى جانب رفع الحكومة أسعار الوقود فى مايو 2008) فى صدمة تضخمية وموجة ارتفاع هائلة فى الأسعار فى السوق المحلية. ولا يمكن إنكار أن بعض التجار الكبار يستغلون الموقف لرفع الأسعار بطريقة غير مبررة خالقين لأنفسهم هوامش ربح كبيرة.
لكن النظرية تقول إن السوق ببعض العون الرقابى من الدولة تعالج هذه الأوضاع: بزيادة الإنتاج المحلى من السلع التى ترتفع أسعارها، فيعود التوازن إليها، أو بالمنافسة من تجار آخرين يرغبون فى مساحة أكبر من السوق فيخفضون الأسعار فيجبرون «الجشعين» على ذلك. وذلك لا يحدث بالتأكيد. بل إن نفس السلع عندما تعاود الانخفاض فى السوق المحلية (الحديد مثل على هذا)، لا تنخفض فى مصر، وإن انخفضت، فى أحيان نادرة، فليس بنفس سرعة الارتفاع ولا بدرجته. ما معنى ذلك؟
قبل سنتين أو ربما أكثر، جمعت إحدى الندوات بين مجموعة من الصحفيين وبين المحافظ السابق للبنك المركزى إسماعيل حسن فى العين السخنة. وكان يتحدث فى محاضرة تعليمية عن السياسة النقدية (كيف يتدخل البنك المركزى فى الأسواق عبر سعر الفائدة للإبقاء على التضخم فى حدود آمنة والحفاظ على توازن السوق وسعر الصرف). وقال المحافظ لنا بشكل قاطع ما لن أنساه، وما أعتقد فى صحته تماما: لا يمكن للسياسة النقدية أن تؤتى مفعولها فى مصر لأن السوق ليست تنافسية وليست كفئة.
فى العديد من القطاعات الإنتاجية، وفى تجارة المحاصيل، وفى الاستيراد، هناك مراكز احتكارية معتبرة، تحصد ثمار الارتفاعات العالمية وتمتلك منع انخفاض الأسعار إذا انخفضت عالميا أو لوفرة الإنتاج المحلى. وهذا هو نفس السبب الذى ُيمكِّن بعض التجار من رفع الأسعار إذا أرادوا فى السلع التى يحتكرونها.
أما السبب الثانى فهو الفشل الإنتاجى المصرى بالعجز عن الاستجابة لتطورات السوق العالمية. فبرغم كل شيء مازلنا نستورد أغلب غذائنا، ولم يظهر نهم المنتجين لتغطية حاجة الأسواق المحلية مدفوعين بارتفاعات الأسعار. وهذا هو السبب فيما تقوله دراسة للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية فى مايو 2010 من أن تغير أسعار السلع عالميا يفسر 43% من تغيرات مؤشر اسعار المستهلكين فى مصر.
وتنقل الدراسة عن البنك الدولى تقديره بأن معدل تمرير أسعار الغذاء العالمية للمصريين يصل إلى ما بين 61% و81%، وهو «معدل يفوق الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد سواء». ومن نافل القول هنا إن الأكثر تأثرا بهذه الموجات من ارتفاعات الأسعار هم الأفقر والأقل دخلا.
ورغم أن الحالة المصرية متطرفة فى كشف فشل السوق فى تحقيق التسعير الكفء للسلع، فإن الفشل ليس محليا. «يجب أن نكون واضحين بهذا الشأن. لم تقدم النظرية الاقتصادية أبدا دليلا على هذه الآراء الخاصة بحرية السوق.
وقوضت نظريات المعلومات غير التامة وغير المتسقة فى الأسواق كل مذاهب السوق الكفئة، حتى من قبل أن تصبح الأخيرة موضة فى عهد ريجان-تاتشر»، هكذا يقول الاقتصادى الأمريكى الحاصل على جازة نوبل جوزيف ستيجليتز فى مقال نشره فى لندن ريفيو أوف بوكس فى أبريل الماضى.
ويبنى ستيجليتز على ما كشفته الأزمة العالمية من فقاعات سعرية فى الأصول المالية والعقارية ليقول إن «اليد الخفية»، التى يعتمد عليها السوق فى تحديد الأسعار هى «يد غير موجودة أصلا». أما اليد التى نعلم يقينا بوجودها فى أسواقنا، فهى يد المحتكرين. وهى يد لن ينحيها عن مصائر عيشنا إلا يد أقوى منها تجبرها على ذلك: يد المستهلكين والدولة التى تمثلهم.
Subscribe to:
Posts (Atom)