Tuesday, November 23, 2010

الأساطير المؤسسة للسياسة الاقتصادية فى عصر نظيف 2


الأغنياء يدفعون ضرائب أقل.. لمصلحة المجتمع


كان الكاتب الفرعونى أولا وقبل كل شىء كاتبا فى ديوان من دواوين الحكومة، وكان سيدا، وكان يعلم هذه الحقيقة ويكررها كثيرا فى أوراق البردى. «إن الكاتب هو الذى يفرض الضرائب على مصر العليا ومصر السفلى، وهو الذى يجمعها. إنه هو الذى يمسك حساب كل شىء، وتعتمد عليه جميع الجيوش. إنه هو الذى يأتى بالحكام أمام الفرعون ويحدد خطوات كل رجل».

وتظل الضرائب فى دولة القرن الحادى والعشرين عنصرا أساسيا فى السياسة. وهكذا لم تنتظر حكومة نظيف سوى 65 يوما بعد تعيينها لتعلن تعديلات ضريبية وصفها وزير المالية يوسف بطرس غالى بأنها «ثورية»، مضيفا خلال مؤتمر صحفى فى أكتوبر 2004 أن الحكومة «ظلت تعمل عليها فى الـ64 يوما التى سبقت الاعلان».

التعديلات التى صدرت بقانون فى 2005 أنهت الضرائب التصاعدية فى مصر، أى أن يدفع الأغنى معدل ضريبة أكبر يتناسب مع حجم دخله. وبدلا منها أرست نظاما ضريبيا يقوم على ما يسمى بالمعدل الموحد. انحصر الاعفاء الضريبى لمن يحصلون على دخل أقل من 5000 جنيه سنويا. وأصبح من يحصل على دخل بين 5 ــ20 ألف يدفع 10% بدلا من 27%، ومن يحصل على ما بين 20ــ40 ألفا يدفع 15% من دخله بدلا من 35%. أما الأغنى فيدفعون 20% بدلا من 40%. والأهم من ذلك هو أن ضرائب الشركات تراجعت للنصف من 42% إلى 20%.

يقوم منطق الحكومة على أنه برغم التخفيض ستزيد الحصيلة، وهو ما يفيد الفقراء فى نهاية الأمر. كيف؟ الضريبة الموحدة سهلة ويمكن التنبؤ بها بسهولة مما سيدفع المتهربين، وهم كثر، إلى دفعها، خاصة الشركات والأغنياء، معوضين فى ذلك أثر التخفيضات على الموازنة. وثانيا، الحوافز الضريبية الجديدة ستشجع الاستثمار الخاص، ليخلق وظائف ويرفع الدخول للمستثمرين والعاملين، مما سيعكس نفسه مرة أخرى فى الحصيلة.

والحقيقة أن هذا المنطق الاقتصادى غير ما يبدو عليه، وغير ما حدث. صحيح أن الحصيلة الضريبية زادت بشكل مطرد لكن لأسباب أخرى. فقانون الضرائب الجديد أضاف شرائح ضريبية كانت مستبعدة كعمال اليومية والمكافآت والحوافز غير الأساسى للضريبة، وبالتالى أصبح أصحاب الأجور، خاصة الأدنى هم الذين يدفعون أكثر. ولم تعف الضريبة سوى الذين يتلقون إجمالى دخل يقل عن 416 جنيها شهريا.

وتكشف أرقام وزارة المالية عن الحساب الختامى للعام المالى 2009/2010 أن صاحب أكبر نسبة من إجمالى الضرائب على الدخول والأرباح والمكاسب الرأسمالية الذى بلغ 88.656 مليار هو هيئتا البترول وقناة السويس بـ45 مليار جنيه. أما نصيب العاملين بأجر من الضرائب فبلغ 13 مليار جنيه مقارنة (لاحظ الفرق بين الأغنى والأفقر) بـ22.9 مليار فقط دفعتها الشركات، ومن ضمنها عز وموبينيل وغيرها مما تحقق أرباحا بالمليارات ونجاحا منقطع النظير.

أما الاستثمار الخاص فظل ضئيلا برغم تحسنه، ولا يتجاوز حاليا 100 مليار جنيه. بل إن معدل الاستثمار الكلى بالنسبة للناتج المحلى الاجمالى أقل كثيرا من المطلوب. ولم يقفز لما فوق الـ20% إلا مرة وها هو يقبع عند 19%، وهو معدل لا يضمن الكثير من التنمية ولا التقدم.

وتقول الدراسات الإمبريقية إنه لا يمكن إعطاء المعدل الموحد للضريبة ميزة على الضرائب التصاعدية فى دفع النمو الاقتصادى. وتكشف دراسة لصندوق النقد أن الزيادات الكبيرة فى الناتج الروسى بعد تطبيق معدل ضريبة موحد بـ13% لم تكن بسببها و«إنما بفضل ارتفاع اسعار البترول وزيادة الاجور وتشديد العقوبات على التهرب الضريبى».

لكن ما تجمع عليه الدراسات حقا هو أنها تزيد من عدم المساواة فى المجتمع كما حدث فى مصر. خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار عناصر أخرى للنظام الضريبى معادية للفقراء أيضا، كضريبة المبيعات، وضريبة القيمة المضافة التى يعتزم غالى الدفع بها قريبا. وفيما عدا الضريبة العقارية لا توجد ضرائب موجهة للأغنياء بالأساس، ولا لتوجيه ثرواتهم لصالح المجتمع سواء من خلال سد العجز فى الموازنة، لكى تستطيع الدولة الوفاء بالتزاماتها المطلوبة فى التعليم والصحة والخدمات، ولا حتى لتوجيه هذه الموارد اقتصاديا نحو أنشطة إنتاجية تدفع التنمية والتقدم. وترفض حكومة نظيف بإصرار لا يلين فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية المترتبة على التربح من بيع وشراء الأصول العقارية والأوراق المالية، علما بأن هذه الضريبة تصل فى الولايات المتحدة، كعبة العمل الخاص فى العالم، إلى 35%.

أما البديل، فهو واضح وضوح الشمس. فقد وفرت لنا الاقتصاديتان باولا بروفيتا وسيمونا سكابروسيتى فى كتاب صادر فى مايو الماضى، وحاز تقدير صندوق النقد (يرأس فيه غالى لجنة مهمة) بعنوان «الاقتصاد السياسى للضرائب: دروس من الدول النامية»، مقارنة تحليلية بين الأنظمة الضريبية فى آسيا وأمريكا اللاتينية والاتحاد الأوروبى، تستنتج بالأرقام أن عوائد الضرائب أعلى فى الدول الديمقراطية لأن عليها أن ترضى الحاجات التوزيعية للناخبين. وتكتشف الباحثتان أيضا أن الديمقراطية تؤثر على تركيبة الضرائب. فكلما كانت هناك ديمقراطية زاد الاعتماد على الضرائب المباشرة (وليس ضرائب المبيعات التى تسمى غير مباشرة) وعلى الضرائب التصاعدية، أى أن يدفع الأغنياء أكثر.

وهكذا يضيف نظامنا الضريبى بعد آلاف السنين الشركات الكبرى للكاتب الفرعونى الديكتاتور، الذى كان معفى من الضرائب، لكى « تمسك حساب كل شىء» تقريبا، وتتحمل أقل عبء مقارنة بأغلب من يماثلونها فى نظم الديمقراطية الانتخابية فى العالمين النامى والمتقدم.


3 comments:

حسن ارابيسك said...

ايه الحكاية يادرش في اللخبطة اللي عندك دي هو اختراق ولا ايه عموما ده مش هايمنعنا اننا نتابعك بشكل أو بأخر لكل مواضيع الجريئة والقوية
تحياتي

مصطفى محمود said...

ارابيسك /

شكرا على سؤالك يا غالى بس والله الواحد مضغوط جدا

اخبار مصرية said...

ما فيش اى شيى ءعاد على المواطن المواطن المصرى الغلبان
الا ارتفاع للاسعار
نع ضعف الرواتب .. فقامت الثورة